فضل بن سعد البوعينين
راهنت حكومة قطر؛ منذ بداية المقاطعة الاقتصادية واتخاذ الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب موقفاً سياسياً حازماً تجاهها؛ على تباين وجهات نظر الرئاسة الأميركية ومؤسساتها المختلفة؛ اعتقاداً بقدرتها على المضي قدماً في دعم وتمويل الإرهاب برغم فتح ملفاتها الخطرة؛ واتخاذ دول التحالف الأربع موقفا لا رجعة عنه.
تشدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه قطر؛ واتهامه الصريح لها بتمويل الإرهاب ومطالبتها بوقف «تغذية الوحش»؛ قابله تراخ من قبل وزير خارجيته ريكس تيرلسون في زيارته الأخيرة للمنطقة. فبالرغم من حمله قطر للتوقيع على إتفاقية «وقف تمويل الإرهاب» التي تعني اعترافاً ضمنياً بضلوعها في دعمه وتمويله؛ إلا أنه عجز عن معالجة ملف الخلاف؛ وإقناع حكومة قطر بمطالب دول التحالف الأربع.
احتفلت وسائل الإعلام القطرية بإفشال حكومتها زيارة الوزير تيرلسون؛ وعدته نصراً لها؛ دون أن تعي أنها احتفلت بفشل تعاطي حكومتها مع ملف تمويل الإرهاب؛ الذي سيقودها لا محالة إلى حافة الهاوية. فالدول الأربع حزمت موقفها ومضت في طريق لا رجعة عنها؛ بغض النظر عن وجهات نظر المجتمع الدولي التي لا تعطي اهتماماً كبيراً للمشكلات والمخاطر غير المهددة لأمن مجتمعاتها. فالوزير تيرلسون حصل على ما يريد من حكومة قطر؛ وتركها في مستنقع الخلافات الإقليمية التي لن تخرج منها إلى بتغيير سياساتها العدائية ووقف تمويل الإرهاب والكف عن التدخل في شئون الدول الخليجية والعربية وتهديد أمنها واستقرارها.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ عاد ليؤكد موقفه الحازم من «قطر» بعد فشل زيارة وزير خارجيته للمنطقة وعودته بخفي حنين؛ حين قال في حديث تلفزيوني لقناة «سي بي إن – نيوز» الأمريكية، «إن قطر عُرفت بتمويل الإرهاب، وقد قلنا للقطريين: لا يمكنكم فعل ذلك». وشدد على أنه لا يمكن السماح لدول غنية بتسمين «الوحش». الرئيس ترامب؛ وفي إشارة مبطنة للتهديد بوقف تسهيلات القاعدة الأميركية في قطر؛ أكد أنهم سيجدون «عشر دول مستعدة لبناء قاعدة عسكرية عوض تلك الموجودة في قطر».
نسف الرئيس ترامب تصريحات وزير خارجيته التصالحية؛ وأعاد ترسيخ موقفه المتشدد من قطر وجميع الدول الراعية والممولة للإرهاب. يبدو أن رؤية الحكومة القطرية لموقف المجتمع الدولي ما زالت قاصرة؛ ما يجعلها أكثر تشدداً في مواقفها الخاطئة؛ وبعداً عن أي صيغة توافقية مع الدول الأربع. ملف دعم وتمويل الإرهاب لن يخضع لمهادنة الدول الكبرى؛ وإن حرصت؛ وأحسب أن سبب تباين موقف الرئيس الأميركي ومؤسساته يعود إلى خطورة ملف الإرهاب القطري الذي ربما كشف عن مشاركة الأجهزة الاستخباراتية الغربية فيه؛ ما يعني إدانة تلك الدول أو مؤسساتها الاستخباراتية التي كان من المفترض أن تشكل خط الدفاع الأول في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
تحفظ المؤسسات الأميركية وتباين مواقفها تجاه قضايا دعم وتمويل الإرهاب لن يثني الدول الأربع عن مواصلة جهودها في إدانة حكومة قطر وحملها على وقف تمويل الإرهاب ورعاية قادة التنظيمات الإرهابية وإيوائهم؛ وتهديد أمن الدول الخليجية والعربية. ولعلي أذكر حكومة قطر بموقف القيادة السعودية الحازم تجاه الإنقلابيين في البحرين؛ المدعومين من إيران والإستخبارات الغربية؛ وإتخاذ الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ رحمه الله؛ قرار دخول مملكة البحرين وحماية أمنها وقيادتها من الإنقلابيين المدعومين والموجهين من إيران والإستخبارات الصهيوأميركية. لم يكن تدخل المملكة تحت مظلة «درع الجزيرة» مرحبا به من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الأخرى؛ إلا أن ذلك لم يمنع المملكة من إتخاذ قرارها الإستراتيجي الحازم الذي واجهت به الغرب؛ وأنقذت البحرين من خطر الإنقلاب. الموقف عينه تكرر في اليمن؛ حين إتخذ الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ قراراً حازماً بمواجهة الإنقلابيين المدعومين من إيران والاستخبارات الصهيوغربية، حيث نجحت قوات التحالف بقلب الطاولة على رؤوس إيران والإستخبارات الغربية التي خططت لسنوات طويلة من أجل استهداف المملكة ودول الخليج من الحدود اليمنية بعد سيطرة النظام الصفوي عليها.
مراهنة الحكومة القطرية على تباين المواقف السياسية أو دعم بعض الاستخبارات الغربية لموقفها الظالم؛ مراهنة خاسرة؛ فالموقف الحازم إتخذ في الرياض؛ وحله سيكون فيها، بعيداً عن ضغط ومصالح الدول الغربية؛ و أبواق الإعلام الصاخبة؛ وحملات مرتزقة الأعراب والغرب؛ وتصريحات البرلمانيين المتكسبين؛ والمستثمرين ومن دار في فلكهم؛ اعتماداً على شرط الكف عن دعم وتمويل الإرهاب وووقف التدخل في شؤون دول المنطقة وتهديد أمنها واستقرارها؛ ولاشيء غير ذلك. ستتكبد الحكومة القطرية في عنادها و محاولاتها البائسة خسائر أمنية، ومالية فادحة؛ وانتكاسات سياسية؛ قبل أن يواجهوا مصيرهم المحتوم؛ الذي بزغ فجره. قال تعالى: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}.