فهد بن جليد
مُجتمع الطائف مُحب للفنون الشعبية بمُختلف أنواعها -بطبعه- فهو مُتذوق نهِم لها، وهو مُرحب بكل أنواع التراث وعادات الشعوب المُتعددة بحكم انفتاحه على الثقافات الأخرى كون الطائف مدينة سياحية عريقة، فهي عروس المصائف والوجهة السياحية الأولى مُنذ عقود خلت، لذا لا غرابة أن تراهن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على ثقافة وتركيبة المجتمع هناك في إنجاح مهرجان عكاظ بعد أن تم اعتماده ضمن برامج الهيئة للتحول الوطني، والاعتماد على المجتمع المحلي في الخطط التطويرية لمدينة عكاظ التاريخية المُستقبلية ضمن مخطط مدينة الطائف الجديدة.
قلتُ أكثر من مرة إنَّ سوق عكاظ يمثل ما يُشبه أول تجمع بشري في التاريخ للاعتراف بالموهبة والإبداع، أي أنَّ العرب في جاهليتهم كانت حضارتهم تفوق حضارات الأمم الأخرى، وهذه حقيقة على أحفاد هؤلاء الأجداد الافتخار بها وتعزيزها وحفظها وتوثيقها، بل ونشر معانيها السامية عالمياً كونها تتوافق مع طبيعة وظروف إنسان تلك الحقبة الزمنية من التاريخ، عندما كان سوق عكاظ القائم قبل 1500 سنة، يمثل ما تقوم به اليوم الأمم المُتحدة سياسياً، ومنظمة التجارة العالمية اقتصادياً، واليونسكو ثقافياً، وربما المرجعيات وجمعيات حقوق الإنسان، فهو منبر حر للرأي والرأي الآخر، والاستعراض بالمُستجدات والانتصارات والاستكشافات والعلوم التي تعلنها القبائل والأمصار على لسان الشعراء والحكماء والأدباء، والتبادل التجاري بين الشعوب، وإعلان الاتفاقيات والتحالفات، والفصل في النزاعات.
في سوق عكاظ هذا العام التقيت مصريين وأردنيين وإماراتيين وعُمانيين ولبنانيين وجزائريين والكثير من المثقفين العرب من مُختلف الجنسيات، حيث كانت المُشاركة العربية الواسعة في سوق عكاظ هي إحدى العلامات الفارقة الجديدة هذا العام ، بعد أن تولت هيئة السياحة والتراث الوطني تنظيم السوق والإشراف عليه، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح، لأن توسيع المُشاركة العربية في هذا المحفل التراثي والتاريخي الكبير الذي يعني العرب جميعاً من المُحيط إلى الخليج سيشكل أملاً وإبداعاً مُتجدداً ومُلّهماً للأجيال المُقبلة، من أجل إحياء أعرق أسواق العرب وأكبرها، وتطويره أكثر وأكثر..
سوق عكاظ يُنتظر أن يكون أيقونة ثقافية تراثية تاريخية عربية عالمية، بفضل تلك الخطوات التطويرية الكبيرة التي يقودها رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأمير سلطان بن سلمان، ليكمل بها المسيرة التي بدأها الأمير خالد الفيصل، بعد أن تم ضم السوق تحت مظلة برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، ولعل ما شاهدناه وعشناه مُنذ بداية الدورة الحادية عشر الحالية يمثل قفزات كبيرة، تنبئ عن مُستقبل باهر ينتظر هذا المحفل الثقافي والأدبي والتاريخي والتراثي عالمياً، وهو ما يستحق الذكر والشكر.
وعلى دروب الخير نلتقي.