خالد بن حمد المالك
يجب أن نتذكر دائماً أن هناك مصالح لقطر في قطع العلاقات الدبلوماسية معها، فبقدر ما تركته إجراءات وتبعات قطع العلاقات معها من ارتباك وخوف وشعور بتأثيره على وضعها الاقتصادي، وحركتها مع العالم، وعزلتها عن جيرانها، قد أيقظتها من سباتها، وربما حركت ولو بعد حين في مسؤوليها الشعور بالمسؤولية، وعدم التمادي في ارتكاب ما تجرّمه القوانين من إرهاب وغيره.
* *
هذه الدروس التي يجب أن تستوعبها قطر، وهذه العِبَر التي على شيوخها أن يستفيدوا منها، تأتي ضمن أهداف المقاطعة، فالمطلوب من المقاطعة ليس البحث عن أسباب لعداوة قطر، ولا نفض اليد من أي تعامل مستقبلي معها، وإنما الهدف من ذلك إيقاف تهور مسؤوليها من التمادي والاستمرار في اللعب بالنار، مستفيدة من حلم شقيقاتها، وتحمّلهم لما يشكله سلوكها من خطورة على الأمن والاستقرار في دولهم على مدى سنوات طويلة.
* *
نعم لا أحد بلا أخطاء، لكن الأخطاء شيء، والجرائم شيء آخر، وما تفعله قطر هي جرائم بسقفها العالي وليست أخطاء عارضة، إذ ليس هناك من جريمة خطيرة مبرمجة كتلك الجرائم القطرية التي تستهدف حياة قادة الدول، والتخطيط للانقلاب على أنظمتها، والتمادي في تنفيذ تقسيم الدول، كما أكدت ذلك التسجيلات الصوتية لكل من الشيخين حمد وحمد حين كانا رسمياً في مواقع السلطة، ولا زالا هكذا في سلوكهما حتى بعد تخليهما شكلياً لتميم في إدارة الدولة.
* *
ومن المؤكد أن الدوحة لاحظت أن الدول الخليجية الثلاث ورابعتهم مصر كانوا هذه المرة أكثر تصميماً على بتر بؤر الإرهاب في قطر، وأن التصعيد الذي يمارسونه على غير ما هو معتاد في شقيه الإعلامي والاقتصادي، بالإضافة إلى الأمني، يظهر التصميم على أن قرار قطع العلاقات سوف يستمر ما لم تتخل قطر وشيوخها عن أفكارهم وسلوكهم ومخططاتهم، حيث تصنف قطر حالياً كدولة ترعى وتمول الإرهاب، وأن أي اتفاق لإعادة العلاقات لن يكون إلا بشروط المملكة والإمارات والبحرين ومصر.
* *
وهذا الموقف الصلب من دول الخليج ومصر كان مطلوباً منذ زمن، فقطر رغم ما سبق أن وقعت الاتفاق عليه، بقيت سياساتها لا هَمَّ لها إلا إيذاء جيرانها، وتوظيف المال لاستقطاب من يسمون أنفسهم معارضة في تنفيذ مخططاتها، ممسكة بكل الأوراق التي تساعدها على لعب هذا الدور الخطير الذي يلبي رغبة أصدقائها إسرائيل وإيران وتركيا، ما جعلنا نشك أن يكون الشيخ تميم هو من يدير دفة الحكم، ويمارس سلطات أمير البلاد فعلاً، وليس غيره.
* *
فإذا كانت دولة قطر، وإذا كان أميرها ووالده ووزير الخارجية السابق، حريصون على المحافظة على أمن واستقرار واستقلال قطر، فعليهم أن يتخلوا عن كل ما يعرِّض أمن جيرانهم للخطر، وأن ينفضوا أيديهم ولا يمدوها لكل من يخطط لوضع دولنا في حالة خلافات وصراعات وانشقاقات، وما لم تفعل قطر ما هو مطلوب منها، فمعنى ذلك، أنها ليست جاهزة للتقليل من الخسائر التي تتلقاها بفعل تأثير المقاطعة، وليست مستعدة لفك الارتباط مع من ورطوها لتفعل ما فعلته من تآمر على أشقائها، وبذلك ستبقى في حالة بكاء وصراخ بما تزعم بأنه ظلم وقع عليها كدولة صغرى بين أشقائها.
* *
وإذا كان هناك عقلاء بين مسؤوليها، فليس أمامهم من مخرج ينقذهم من كل ما ترتب من مضاعفات سببها السياسة القطرية الخاطئة إلا بالعودة إلى الأشقاء لأخذ الحكمة منهم، والاستفادة من الدروس والعبر التي تدلهم على الطريق الصحيح باتجاه حلحلة الأزمة على نحو يحفظ للدوحة ماء الوجه، ويحمي الدول الشقيقة من الغدر والتآمر والإرهاب التي هي سمة السياسة القطرية على مدى عقدين من الزمان ولا تزال.
* *
نحن في المملكة حريصون على قطر، على شعبها الشقيق، لا نرضى أن تُمسَّ بسوء، ولا أن يلحق بمواطني قطر أي ضرر، فما يمسهم يمسنا، وما يضرهم يضرنا، ومع أن التدابير التي اتخذتها المملكة وأشقائها ضد قطر راعت بأن يكون الضرر في حده الأدنى، إلا أن المسؤولين عن كل هذا هم شيوخ قطر، إذ لا يمكن أن يلحق الضرر دولنا، دون موقف مضاد لمصدر الإرهاب وهي قطر، وهذا يعرفه ويتفهمه إخواننا المواطنون في قطر.
* *
أريد أن أقول: إن إيجاد حل لمشكلة قطر، وتعافي قطر من هذه الأزمة هو بأيدي شيوخها، لأن مطالب الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر طلبات مشروعة، وسهل تنفيذها، ولا تلحق أي ضرر بقطر، لكنها في المقابل تحمي المملكة والإمارات والبحرين ومصر من الإرهاب، وهذه ستكون نقطة الالتقاء ونقطة الخلاف معاً، بحسب الموقف القطري ووعي شيوخها في تحمل المسؤولية في هذه المرحلة التاريخية.
* *
وفيما عدا الاستجابة لتحقيق هذه المطالب فلا تفكر قطر بأن حلولاً سوف تصل بها مع جيرانها إلى إتفاق عليها، مهما تكاثر الوسطاء، إذا لم يصاحب ذلك قبول قطري بالشروط، توقيع على إتفاق ملزم، وضمانات لا تجعل قطر تتنصل من التزاماتها قبل جفاف حبر من يوقع على الاتفاق.
* *
وأفضل لقطر أن تذعن لشروط أشقائها من أن تكابر وتعاند، وتستخدم أسلوب النفي عن مسؤوليتها في المؤامرات المسجلة عليها بالصوت، أو تلك الموثقة خطياً، أفضل لها ذلك من أن تجد نفسها أمام المحاكم الجنائية، فلا تجد من يساعدها في الطعن بما هو موثق عليها من تهم، وأفضل لها أن تلملم جراحها، وتتنظف مما لحق بها من خزي وعار، وأن تحفظ ماء الوجه بموقف يمسح كل الصور المسيئة لتاريخ الدولة من أن تكابر، وتستمر في إصرارها على التحرش بأشقائها وجيرانها في أعمال عبثية كانت نتائجها وبالاً على قطر، قبل أن تكون وبالاً على المستهدفين.
* *
إن قطر في غنى عن أن تكون دولة ولودة للإرهابيين، باحتضانها لهم، ودعمها لهم مالياً وإعلامياً بما يحقق أهدافها، وأفضل لها أن تصغي لصوت أشقائها العقلاء، وتحتمي بهم، وتقدم لهم عصا الطاعة، ولا تنخدع بوعود تركيا وإيران، ولا أن تنجر إلى ما لا يحمد عقباه لدولة قطر وشيوخها، فالدروس التي يجب أن تتعلمها وتستوعبها من هذه الأزمة هي أن تعلن بأن الخير والعون الحقيقي لن يأتيها إلا من أشقائها، وإن لم تصل إلى هذه القناعة، فمعنى ذلك أنها لم تستوعب الدروس، وأنها كما هي رغم الضربة الموجعة التي أصابتها في مقتل بقطع العلاقات معها.
* *
ولأن الشعب القطري بريء من كل الأعمال الشيطانية لدولة قطر، وأن الإنسان لا يؤخذ بجريرة غيره، ولأن شيوخ قطر هم المسؤولون عن تدهور علاقات قطر مع دول مجلس التعاون، بما صدر عنهم من تهديد لأمن واستقرار دوله، وحيث تدينهم أصواتهم بالمؤامرات الإرهابية التي خططوا لها، فإن على الشعب القطري أن يواصل تفهمه لذلك، وأن يمارس الضغط على المسؤولين القطريين لعدم تحميله لمزيد من القرارات التي وإن كان غير معني بها، وأنها غير موجهة له، إلا أنها في نهاية الأمر سوف تلحق الضرر به ولو أن ذلك قد يتم عن غير قصد أو استهداف.
* *
باختصار شديد، أتمنى على أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد ووالده الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم ومن معهم في توجيه السياسة القطرية، أن يدركوا خطورة التحريض والدعم المالي والإعلامي ضد الدول الشقيقة، أتمنى أن يكونوا في مستوى المسؤولية، فيتجنبوا ما يؤذيهم ويؤذي جيرانهم، فالموقف جد خطير، وإدانتهم بدعم الإرهاب دلائلها ثابتة، والمطلوب من قطر طي الخلاف، وإنهاء الأزمة بقبول ما تمليه عليها الدول الشقيقة.