يغفل كثير من الباحثين حول قضايا الأمن الفكري، واجتيال التيارات المنحرفة للشباب، عن مسألة مهمة تمثل جوهر العلاج والخلل، ألا وهي مسألة العقيدة، حيث تعد القضية الأولى والركيزة الأساسية التي ينبغي الانطلاق منها عند الحديث عن تحصين العقول وأمن الأفكار.
جاء في الحديث المشهور عن العرباض بن سارية أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبشيًا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، يقول أهل العلم إن من فوائد هذا الحديث العظيم: إن فيه بيان الطريق المخرج من الفتن حال وقوعها، وذلك من خلال أمرين: الأمر الأول: التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه، والأمر الثاني: لزوم جماعة المسلمين، وكما يعلم فإن هذين الأصلين من صميم العقيدة، ومن أعظم مباحثها، فما دخلت البدعة على قوم إلا شرذمتهم، وفرقتهم، وماتت بإزائها سنة، وما خرج القوم على ولاة أمورهم وناصبوهم العداء، إلا تنازعوا وفشلوا وذهبت ريحهم.
إذًا فكل مقاربة وقراءة وتنظير ومحاولة لعلاج المؤثرات السلبية على الأمن الفكري الذي يخترق صفوف الأمة حاليًا، لا تكون مجدية حقًا، ولا ناجعة صدقًا إلا من خلال الانطلاق من العلاج النبوي الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق.
ولعل المتابع يلحظ أن التيارات التي تتخطف أبناء هذه الأمة، ما فتئت تعزف على ثلاثة أوتار رئيسة هي: المظالم الاجتماعية، الحقوق والحريات، الوهن الذي أصاب جسد الأمة، هذه هي المنطلقات الثلاث التي يعود إليها كل تنظير للجماعات والتيارات بشقيها الغالي والجافي، وهذه القضايا بعينها قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وأرشدهم إلى الحل الأمثل والطريقة الأكمل في التعامل معها، فقال في الأولى: (اصبروا حتى تلقوني على الحوض)، وقال في الثانية: (تؤدون الذين عليكم وتسألون الله الذي لكم)، وقال في الثالثة: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة... وإياكم ومحدثات الأمور)، فهذه الأحاديث النبوية الشريفة منطلقات عقدية عظيمة يجب أن ينطلق منها كل مفكر يتناول قضايا الأمن الفكري وما دار في فلكه من موضوعات، أما التنظير الخالي من المنطلقات العقدية، والتأصيل الشرعي ففي وجهة نظري المتواضعة لا يروي من ظمأ ولا يسمن من جوع.