فوزية الجار الله
لا أحب أفلام الرعب ولا أستمتع بمشاهدتها، لكنني قرأت رواية مؤخراً شبيهة بتلك الأفلام، وكان لابد لي من متابعتها إلى النهاية لأكثر من سبب، أولها: أنها رواية استمدت أحداثها بمعظم تفاصيلها وما تحمله من وجع ومعاناة من الواقع وثانياً: من باب الفضول الأدبي. ثالثاً: بحكم كوني كاتبة أرى أنني لابد أن أقرأ كل ما يقع تحت يدي مما هو جدير بالقراءة بغرض المعرفة والاطلاع والثقافة.
مؤلف الرواية هو «مصطفى خليفة» وهو شاب سوري كان يدرس الإخراج السينمائي في فرنسا وعاد إلى بلاده بعد ست سنوات تملأ رأسه الأحلام والطموحات والخطط لمستقبل قادم اجمل، الرواية بعنوان «القوقعة: يوميات متلصص».
يقول الكاتب: (هذه اليوميات كتبتها في السجن الصحراوي.. وفي السجن الصحراوي لا يوجد أقلام ولا أوراق للكتابة، في هذا السجن الذي يحتوي على أعلى نسبة لحملة الشهادات الجامعية، في هذا البلد لم يرَ السجناء – وبعضهم قضى أكثر من 20 عاماً – أية ورقة أو قلم). ويتابع قائلاً: (هذا السجن ضم بين جدرانه في لحظة من اللحظات أكثر من عشرة آلاف سجين).
منذ البداية نعلم بأن سبب اقتياده من المطار إلى السجن سبب عجيب فقد كتب أحد زملائه الطلبة في باريس تقريراً عنه بأنه تلفظ بعبارات معادية للنظام وبألفاظ جارحة للرئيس، حدث هذا منذ ثلاثة أعوام قبل مغادرته باريس، وهذا يعتبر جرماً عظيماً يعادل الخيانة الوطنية وربما أقسى.
وأيضاً نعلم بأن بطل الرواية (الواقعية للأسف) قد تم اقتياده إلى حيث سجن الإخوان المسلمين المشاركين في بعض التنظيمات كما يعلم من سجانيه، يؤكد لهم بأنه مسيحي وليس مسلماً، لكن ذلك لا يجدي نفعاً، يستمر في تلقي التعذيب المعنوي والمادي (الجسدي) وذلك باستخدام شتى وسائل التعذيب التي تنتزع من الإنسان إحساسه بكرامته وإنسانيته، حيث يتلقى معاملة غاية في الإذلال والانحطاط والإهانة بما لا يعامل به أكثر الحيوانات شراسة ووحشية.
هذا السجن يبدو ضاغطاً خانقاً مثلما قبضة الشيطان، هنا تنتفي حقوق الإنسان، يتم حشر العشرات بل المئات من السجناء في ظروف غير إنسانية، يقول الكاتب:
(في هذا السجن «الصلاة» ممنوعة منعاً باتاً بأوامر مدير السجن، عقوبة من يقبض عليه بجرم الصلاة هي الموت، ولذا فقد شرعوا يصلون صلاة الخوف، تتم الصلاة في أي وضعية كانت دونما ركوع أو سجود).
تفيض الرواية بوصف مشاهد التعذيب ولن أذكرها رحمة وتعاطفاً مع القارئ الكريم، كان لهذه الألوان من التعذيب نتيجة صادمة وأثراً شنيعاً، فمن السجناء من أصيب بالشلل ومنهم من فقد عقله ومنهم من تم إعدامه لأتفه الأسباب.. معظم السجناء لا تستغرق محاكمتهم أكثر من دقيقة، وقد تم وضع منصة الإعدام أمام السجن مباشرة. اللهم رحمتك ولطفك.
وللحديث بقية.