عبدالوهاب الفايز
على علبة الدواء كتب الصيدلي: حبة واحدة قبل الأكل لمدة يومين. (في العلبة 24 حبة).
وعلى علبة الدواء الثانية كتب: حبتين قبل الأكل يومياً لمدة يومين. (في العلبة 24 حبة).
وماذا عن بقية الدواء بعد انتهاء الحاجة للعلاج، الإجابة موجودة في كل بيت.. ما تبقى يرمى!!
***
حينما نتكلم عن الدواء اجزم أن لديكم الكثير من الأمثلة التي تؤكد حالة هدر الدواء في بيوتنا، والآن أغلب الناس يخصص ثلاجة مستقلة ذات الحجم الكبير أو المتوسط للأدوية التي ربما تمضي الأشهر لم يستخدم اغلبها.
موضوع الدواء، حفظه واستهلاكه وطريقة صرفه نرجو أن تأخذه وزارة الصحة في قائمة الأولويات بعد إقرار الصحة في كل السياسات. هذا الموضوع يستحق الاهتمام لكون القيمة السوقية للدواء المُستهلك في المملكة سنوياً، تصل 30 مليار ريال وتشكل الأدوية المستوردة حوالي 80%، ولم أصل إلى دراسات تثبت كمية الهدر من الأدوية بشكل دقيق، ولكن الذي نراه في بيوتنا كثير جداً وتكلفة الهدر إما يتحملها المريض أو المستشفى أو شركات التأمين.
طبعاً الذي وسع استهلاك الدواء ورفع تكلفته الوطنية هو أساليب تعاطينا مع مفهوم الطب والصحة العامة، فالسياسات والآليات الحكومية للتعامل مع الصحة في العقود الماضية ركزت على الجوانب الطبية وأهملت الجوانب الصحية الأساسية. وهكذا تطورت عادة الاعتماد على العلاج بالأدوية لكل الأمراض ونسينا الجوانب المرتبطة بالغذاء والحركة، أي تجاهلنا تحسين النمط المعيشي الذي له آثار علاجية أفضل من الأدوية في حالات عديدة أثبتتها الدراسات، فدخول نمط جديد لحياتنا أدى إلى توسع الأمراض المزمنة وبالتالي ارتفاعت تكلفة الدواء.
رفع كفاءة الإنفاق على الأدوية يتحقق عبر عدة مسارات، ولعل وزارة الصحة بعد موافقة خادم الحرمين الشريفين على الصحة في كل السياسات تبادر إلى تفعيل الجوانب الأساسية الداعمة لكفاءة القطاع الصحية. من الجوانب التي تحتاج مبادرة وزارة الصحة هو (التصنيع المحلي الدوائي)، خصوصا أن مبادرة التحول الوطني تستهدف مضاعفة نسبة الصناعات الدوائية المحلية إلى 40% بحلول عام 2020. هذا المسار يتطلب من الوزارة مشروع شراكة يجمعها مع الصندوق الصناعي، وقطاع تمويل المشاريع في البنوك، بالإضافة إلى المصنعين المحليين لأجل توسيع قاعدة الصناعات الدوائية.
وعمل وزارة الصحة الجاد لإيجاد بدائل دوائية محلية بجودة عالية وتكلفة مناسبة له، أولا، أثره الايجابي على القيمة المُضافة للاقتصاد الوطني، وثانيا، يقلل تكلفة الدواء على المرضى في المدى البعيد، وثالثا، يقلل مخاطر الاعتماد الكبير على الدواء المستورد عبر إيجاد منتجين محليين للاحتياجات الدوائية الحساسة والحيوية. أيضا التصنيع المحلي له اثر ايجابي مهم جدا، إذ سوف يؤدي إلى ارتفاع الإنفاق على (الأبحاث والتطوير) وهذا بدوره يوفر تصنيع أدوية تناسب بيئتنا وتركيبة أجسامنا وطرق معيشتنا.
أحد الجوانب التي رفعت تكلفة الدواء وقللت فاعليته نجده في جوانب التخزين والنقل. فالسياسات الحكومية مع الأسف ظلت بعيدة التأثير والفاعلية في هذا الجانب مما راكم ممارسات خطيرة في سلسلة الإمداد، من المصنع إلى المستهلك، أثرت على كفاءة الأدوية. الآن في عز الحر تجد صيدليات حرارتها تتجاوز العشرين، والأدوية تنقل بسيارات عادية غير مخصصة لنقل الأدوية، وحتى في المطارات والموانئ من يضمن ويراقب سلامة عمليات النقل والتخزين أمام الكميات الكبيرة المستوردة، لن تستطيع السلطات المختصة الرقابة والمتابعة كما نريد.
من إيجابيات توسيع صناعة الدواء محلياً، نجده في أثره للحد من الخلل في سوق الدواء. هذا يساعد وزارة الصحة على مراجعة السياسات والممارسات البيعية في سوق الدواء. المعروف في صناعة الدواء في العالم وجود ممارسات غير نظامية وغير أخلاقية، إذ تلجأ بعض الشركات الكبرى إلى تخصيص نسب تحفيز للمبيعات. هذا يؤدي إلى المبالغة في صرف الأدوية من قبل بعض الأطباء والصيادلة، وفِي صيدلياتنا التي تحولت كالبقالات في كل زاوية وسكة! هل نستطيع السيطرة على بيع الأدوية؟.
أحد العاملين في تسويق الأدوية يقدر العمولات التي يحصل عليها الصيادلة والمسوقون بما يقارب 100 مليون ريال سنوياً. اعتقد أن الرقم اكبر بكثير! انظروا حجم الأدوية في بيوتكم!.