اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
إنه لمن الغريب والمريب والأمر المعيب حقاً أن دولة قطر الشقيقة يتولى قيادتها حكام ورطوها في وحل الممارسات المكروهة، ومستنقع التنظيمات المشبوهة، سواءً الوافدة إليها، أو تلك المتربصة بها من حولها، هذه التنظيمات التي ينعكس ضررها ويرتد خطرها على من يطلب الاستفادة منها حيث يجعل من نفسه أداة لأعدائه وأعداء حاضنته الخليجية وعمقه العربي.
والأزمة الخليجية القائمة لم تكن صناعة محلية، وإنما استوردها النظام الحاكم من الخارج، وتولى تنفيذها أدوات خارجية وأخرى دخيلة على المجتمع، حيث لقت هذه الأدوات قبولاً من قبل النظام القطري الذي أراد أن يمتطيها لغاية في نفسه فامتطته لتحقيق مصالحها قبل أن يمتطيها، مما جعلها غصة في حلق النظام الذي استوردها، وأصبح أسيراً لها، إذ وجد نفسه بين أمرين أحلاهما مُر فابتلاع السم دون العلم به قاتل وابتلاعه للتجربة مخاطرة غير محسوبة العواقب.
وبمجرد أن اتخذت الدول الأربع قرارها وأصدرت بيانها بقطع علاقاتها مع دولة قطر ومقاطعتها، عمد النظام الحاكم إلى اتهام هذه الدول بالتعدي على سيادته، متخذاً من هذه السيادة شماعة لرفضه قبول مطالب هذه الدول التي اتخذتها، استجابة لضرورات وطنية وقومية تتعلق بأمنها الوطني خاصة، والأمن القومي العربي عامة، وقد غاب عن ذهن هذا النظام أن كثرة الكلام حول سيادته يكشف عن سوءته، حيث إن مطالب الدول الأربع فرضت نفسها، واستدعتها أسبابها، ومهما فسرها النظام الحاكم في قطر بأنها تنال من سيادته فإن تفسيرها يُدينه لأن الأسباب التي أدت إلى هذه المطالب هي في ذاتها ضد السيادة، فكيف بمن فرط في أمنه الوطني والقومي وسمح للأجنبي بمصادرة سيادته أن يتهم من يطالبه بتصحيح وضعه واستعادة ما سُلب منه باتهامات باطلة، يهدف من ورائها إلى الاستمرار في تنفيذ المخطط المرسوم له بعد أن قطع فيه شوطاً طويلاً، تنفيذاً لأجندة يقف خلفها دول ذات أهداف استعمارية ومطامع جيوسياسية.
ولزيادة توضيح ما سبق فإن النظام القطري دفاعاً عن سيادته أظهر حماقته، مثبتاً أن الذي يقترف أمراً مُعيباً لا يعيب نفسه، ويكره أن يعيبه غيره، معتبراً ذلك تعدياً عليه ونقيصة في حقه كما هو الحال بالنسبة لهذا النظام الذي رأى في مطالب تعهد بتنفيذها في السابق انتهاكاً لسيادته، متجاهلاً أنها من صنعه، فهو الذي رضي بوجود تجار الفكر المنحرف والعمل الإرهابي على أرضه، وسمح لنفسه بالارتماء في أحضان الأجنبي والاستقواء به، مقيماً القواعد الأجنبية على تراب وطنه لحمايته من شعبه مع علمه بأن هذه الممارسات على حساب السيادة، أما طلب التوقف عنها, وإزالة آثارها، فطالما هذا الطلب صدر من جهة أخرى موحياً بأنه خارج الإرادة فقد تنظر إليه التنظيمات المتضررة منه بأنه انتقاص لسيادة هي أول من انتقصها، بينما هو في الواقع يعيدها بعد سلبها، انطلاقاً من أن للضرورات أحكامها ولكل حالة مقامها ونظامها.
وانتقاص السيادة وانتهاكها، ليس من نصيحة أخ لأخيه أعلنها وجهر بها بعد أن نفد صبره، طالباً من هذا الأخ رفع الضرر الواقع عليه، وإنما يتجسد الانتقاص والانتهاك في مصادرة القرار القطري العام وفرض الخيار على النظام والاتجاه بالمسار نحو الظلام، من قبل تنظيمات إرهابية ودول أجنبية تريد الأولى بث الإرهاب في المنطقة وتدميرها، وتريد الثانية تجديد رسم خرائط المنطقة وإعادة تقسيمها، بما يخدم امتداد نفوذها ويتفق مع مصالحها.
وكلما أراد النظام القطري أن يدلل على حجته ويدافع عن سيادته كشف عن سوءته، وذلك بذكر كل ما يسوء عنه وعن الدول المقاطعة له دون أن يراعي خطورة هذه الممارسات على مسار الأزمة ومستقبل دول مجلس التعاون والأمن الخليجي والأمن القومي العربي بأكمله، مع أن التجني على الغير عبر موجات الأثير لا يستغرب من نظام يتلاعب بمصطلح السيادة الوطنية والمقاطعة يجعل منها حصاراً، ومطالب الدول التي يختلف معها، يقابلها بمطالب مضادة، متعمداً التعامل مع هذه الدول بسلبية والانفتاح على دول إن لم تُعقِّد الأزمة فلن تُحلها، ومستعيناً بإيران وتركيا بطريقة ممقوتة تتسم بالنشاز وتدعو إلى الاشمئزاز.
وقد أثبتت الأزمة أن قطر تتخندق في الخندق الإيراني مما ينسف ما تدعيه بشأن سيادتها الوطنية ويضاعف من حماقتها السياسية ويفضح نواياها التآمرية، ويؤكد ذلك أن قطع العلاقات معها ومقاطعتها رغم أنه يشكل هدفاً من أهداف مؤتمر الرياض لوقف تمويل الإرهاب إلا أن الأزمة ألقت بظلالها على أولويات دول المقاطعة سواءً على صعيد الحرب التي تخوضها في اليمن أو فيما يتعلق بالصراع الدائر في سوريا والأنشطة الأمنية والسياسية المرتبطة بهذا الصراع، إضافة إلى تأثير الأزمة السلبي على الجهود الموجهة لمواجهة الخطر الإيراني، وإن كان تصحيح مسار قطر يُصب لصالح هذا الهدف على المدى البعيد إلا أن تعقيدات الأزمة لا تخدم المواجهة الآنية مع إيران.
ومنذ اندلاع الأزمة والإعلام القطري عندما يوجه خطابه إلى الدول المقاطعة له فإن الخطاب يُنم عن شخصية متناقضة، يغلب عليها مركب النقص، حيث يظهر على خطابها الهروب من الواقع وتجاهل جوهر الأزمة تارة، والتناقض والمكابرة والتجني تارة ثانية، وتلمس مثالب الخصم ونشر الغسيل تارة ثالثة، أما عندما يوجه هذا الخطاب إلى العالم الخارجي فإنه ينحو منحى آخر، يعتمد على التظلم والتقليل من شأن الظالم، وإظهار عقدة النقص بالحديث عن إمكانية غير موجودة، علاوة على قلب الحقائق، وتلقُّف ما يقوله الإعلام الخارجي أو يصرح به أي مسئول من دولة خارجية عن الأزمة بشكل يدعو إلى الشفقة، إذ يلجأ هذا الإعلام إلى تزوير وتحوير أقوال الآخرين لصالحه لعل في ذلك ما يقدم الدليل ويشفي الغليل.