إبراهيم الطاسان
لو أُخضعت الممارسات العملية واللفظية لألف رجل لقواعد الأخلاق فكم رجلاً سيبقى أثره بين الناس في حياته وبعد مماته؟ أحمد شوقي: قال "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". لو لم يكن لأحمد شوقي إلا هذا البيت لكفاه أثرًا يُقتفى لتهذيب السلوك. والأخلاق المؤطرة للسلوك هي مجموعة القيم المتراكمة، كأخلاق العرب قبل الإسلام، المتصفة بالوفاء بالعهود والمواثيق والأمانة والنخوة وعدم الغدر والمروءة.. إلخ من صفات مكارم الأخلاق. وإن شابها شيء من المأخذ، كالتطير والوأد، فهذبتها الشريعة السماوية؛ ففي الحديث الصحيح مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق". وفي لفظ آخر "حُسْن الأخلاق". وتدل (لأتمم) على وجودها فيهم؛ فأتمت الشريعة جملة الأخلاق العربية بنبذ ما شابها من ممارسات غير محمودة. وكقواعد الممارسة التي تسنها الدول لحماية السلوك، فإن مجموع هذه القيم هي المظلة التي تحتمي بها الأخلاق من السلوكيات السيئة المضادة لصفات مكارم الأخلاق. وعلى هذه القواعد يستطيع كل ذي بصيرة تقييم مواقف وسلوكيات أي فرد في المجتمع أيًّا كان موقعه ومرتبته ومكانه ورتبته الاجتماعية بين قومه. وأنا بدوري سأمتحن بصيرتي بتطبيق قواعد السلوك على ما استمعت إليه وشاهدته في نطاق الأمر الذي نهتم به في أيامنا هذه. فمنذ إعلان قطع العلاقات مع الحكومة القطرية تفاعلنا غيرة على وطننا مع عدم يقيننا مما لم نعلم مما ينسب لبعض أمراء إمارة قطر، إلا ما أتاحت لنا محركات البحث. وعندما استمعنا من خلالها إلى أصوات الأحياء وبعض الأموات تتآمر على كياننا وهاماتنا من الرجال فكأن أحمد شوقي وقد أرمت عظامه ينتفض شاخصًا بالوقوف يردد "إنما الأمم الأخلاق.. إلخ"، وعندما نشرت وثائق تعهدات أمراء قطر الموقَّعة بين عامي (2012 - 2014) وقارنا مضامينها بأقوال وتصاريح مسؤولي الحكومة القطرية، وآراء محلليها السياسيين عبر قنواتها التلفزيونية وكتابها في صحفهم ومواقعهم المستأجرة، أذهلنا مدى سقوط السلوك وسوء الخلق اللذين اتصف بهما البعض. كنا قصرنا سوء الخلق على من وصف هيئة كبار علمائنا "بالمنافقين"، فإذا العدول عن الفاضل من مكارم الأخلاق إلى المفضول من سوء الأخلاق كالنكث بالعهد وإخلاف الوعد وإنكار للحقيقة ونفي الثابت هو مظلة قاعدة: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". إلى هنا نستحضر قول الحكيم أكثم بن صيفي القائل "إأفضل الأشياء أعاليها، وأعلى الرجال ملوكها، وأفضل الملوك أعمها نفعًا". إلى أن قال: "الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة". حتى قال: "آفة الرأي الهوى". إلى أن قال: "حسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة". ونضع تحت الجملتين الأخيرتين خطين. ما دام الحمدان لم يجاورهما أحمد شوقي وأكثم في منزليهما فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.. والله الهادي.