د. جاسر الحربش
عندما يطمئن المواطن على حصته العادلة في التعليم والصحة والعمل والسكن يستطيع التركيز مرتاحاً ويقدم لوطنه أفضل ما عنده حسب مواهبه وقدراته. هذا هو سبب تفوق مجتمعات دون أخرى، والسر في تفوق الكيان الصهيوني على كل جيرانه. المواطن القلق المشغول بهمومه الأساسية لا يستطيع إضافة شيء ذي قيمة، لأن تفكيره مشلول بالجري وراء متطلبات يومه.
إيهود أولمرت كان رئيس وزراء إسرائيل، وقبل ذلك عمدة مدينة القدس عندهم، لكن تاريخه في خدمة قومه لم يشفع له بعدما ثبتت عليه تهمة التزوير والاختلاس فتم الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات. قبل أولمرت سجنوا رئيس دولتهم كاتساف لأنه تحرش بموظفة في مكتبه فقاضته بتهمة الاغتصاب.
بعدما يشاهد المواطن أحد كبار المسؤولين يساق إلى السجن يستطيع أن يرفع إصبعه في وجه العالم ويقول عندنا عدالة ولكن انظروا وقارنوا بين مجتمعاتنا وبين الجيران. عندما شاهدت رئيس الوزراء اليهودي السابق أولمرت قابعاً في زنزانة صغيرة (أفرج عنه بعد قضاء ثلثي العقوبة) أشحت بوجهي عن الصورة ليس رأفة به، بل لأنها تذكرني بالفرق بين عدالة المغتصب في مجتمعه الخاص وغياب العدالة في مجتمعات الضحايا من حوله. المغتصب له كيان متضامن يعتمد أساساً على التطبيق الصارم للقانون للمواطن اليهودي في الداخل والخارج، ولا يهتم لما يقوله العالم عن جوره وظلمه تجاه الآخرين. المصداقية أمام العالم تكون دائماً في صفه بسبب الأوضاع السيئة في مجتمعات الجيران. بدءاً من التخلف العلمي وصولاً إلى التمييز الطبقي والحروب المدمرة بين مكوناتهم الذاتية.
لن يستطيع أي عربي حقوقي إقناع ندوة عالمية بعدالة القضية العربية الفلسطينية، لأن أدنى يهودي في الندوة سوف يسأله، كيف تجرؤ على اتهام إسرائيل بسوء العدالة وتنسى الأوضاع في مجتمعاتك العربية.
منظر إيهود أولمرت رئيس وزرائهم السابق منكس الرأس في زنزانته لمجرد أنه اختلس شيئاً من عهدته المالية، ذلك يلخص الفرق بين الاندماج التكافلي مقابل الإرهاب والفوضى، وبين الانتصار مقابل الهزيمة.