«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
الليلة تحتفل أسرة أم عبد الوهاب بزفاف ابنتها سارة، وسارة فتاة تجاوزت السادسة عشرة، وتعتبر في تلك الأيام فتاة تأخرت كثيرا عن الزواج بالمقارنة بوالدتها وخالاتها.
وسبب التأخير عائد الى ان قريبها يوسف الذي سوف تتزوجه كان قد سافر للدراسة في امريكا على حساب شركة النفط.. وكانت الايام تركض سريعا فصارت اسابيع وشهورا وكبرت سارة وبرز صدرها بصورة لافتة منذ تمت خطوبتها قبل سفره.
وانتظم يوسف في دراسته في الجامعة الامريكية وتعود على الحياة الجديدة في هذا البلد المدهش والمثير بكل ما فيه من عادات وتقاليد وتطور ورغم خوفه من هذا العالم الجديد الذي انتقل للعيش فيه وكان يتصوره في البداية صعبا كطريق وعر لا يعرف مسالكه فها هو وبعد مضي شهور بات يجيد الحديث باللغة الانجليزية.
بل ها هو مثل زملائه الاربعة يستيقظ مبكرا للصلاة جماعة معهم، ويقوم حسب المناوبة بينهم بإعداد الفطور وشرب القهوة وحتى الشاي ثم يستعد للذهاب للكلية مبكراً عن موعد المحاضرة حيث يتوجه الى مكتبة الجامعة التي باتت تأسره بصورة عجيبة لما تشتمل عليه من كتب ومطبوعات ومجلات.
صحيح انه كان يتردد عندما كان في الظهران على مكتبة الشركة. لكنها باتت اشبه بنملة بين قافلة من الجمال.
يا الله كم رددها وهو يشاهد اقسامها المختلفة بل وادوار المكتبة وكم مرة تساءل بينه وبين نفسه كيف استطاع مؤلفو هذه الكتب كتابتها، وكم من السنوات قضوها في عملية تأليفها.
بل ان دهشته تتلاشى عندما يشاهد العشرات من رواد المكتبة القادمين من خارج الجامعة بل من خارج الولاية التي توجد فيها هذه الجامعة العريقة.
بل انه استطاع التعرف على بعض عشاق القراءة من المترددين يومياً على المكتبه وبعضهم اصبحوا اصدقاء ودودون له. وكم رسالة كتبها لأسرته فيها يضمنها اشواقه وتحياته للجميع بل لا ينسى ان يذكر ولا تنسون سلامي لعمتي وابنتها. وكان لا يجرؤ على ذكر اسمها.
ومن ضمن ما يكتبه في رسائله الشهرية لأسرته والتي عادة ما يرسلها لشقيقه المعلم أنه اصبح طالبا محبوبا في الجامعة واحترمه اساتذتها عندما علموا جميعا حرصه واهتمامه بالتردد الدائم على مكتبة الجامعة، بل بات يكتب بعض المواضيع القصيرة في صحيفة الجامعة الشهرية وشدهم مرة ما كتبه عن عيون المياه في منطقته خصوصاً عندما كتب عن (عين نجم) وكيف تعتبر منتجعا للمشاهير.
وكانت تنقص مواضيعه فقط الصور كما كان يشير الى ذلك بعض القراء.. وتمضي الايام سريعالخطى فها هو يعود في اجازة بعد عامين من الغربة يعود لمدة شهر ولكنه شهر مختلف.
فسوف يتزوج خلاله سارة ابنة عمته تلك الفتاة الجميلة صاحبة الغمازتين والتي (سميت) له كما يقال. وما زال يذكر دموعها وهي تحاول في حياء أن تخفيها عنه عندما جاء ليودعهم ضحى يوم سفره للدراسة.. وها هي الليلة سوف تكون زوجته وسوف تزف اليه.. وسط حفل كبير يقام في بيت والدها.
وكعادة الزواج في مدينته اصطحبه اقاربه واصدقاؤه الى عين ام سبعة للاحتفال به والقيام بغسله كانت لحظات لا تنسى تخللتها التعليقات والتوصيات اللطيفة وحتى الساخرة.
بل انه لا ينسى قريبه الخبيث ابو فهد الذي قال له: انت الليلة لا تحتاج (لرقيدة) لتقوم بتوعيتك وترشيدك وتوجيهك فأنت قادم من بلد «الحرية» أنت الان مدرسة في فنون الزواج وتعليم العرسان الجدد.. قالها وهو «يتدعدع» من الضحك.؟!
وبعد صلاة العشاء قام المحتفون بالعريس بجولة معه على عدد من بيوت اقاربه ومعارفه لتناول القهوة والمشروبات قبل ان يصطحبوه لبيت (العروس) ومن ثم يأتي دور «الرقيده» والتي تقوم بتوضيح بعض الامور للعريس قبل الدخول على عروسه وهي عادة أمور تبقى طي الكتمان لأسباب مختلفة.
وسرية مع التأكيد على ضرورة الصلاة.
ومن مهامها أيضاً أن تكون في خدمة العريسين طوال ليلة الدخلة مع تلبية طلباتهما.
ومكانها دائما يكون بجوار باب غرفتهما.. وتحظى الرقيدة في مجتمع الخليج بتقدير كبير جدا. وهناك من اثرت نتيجة لعملها.. ومبروك للعرسان الجدد.