عبدالعزيز السماري
الرأي العام هو الرئة التي يتنفس من خلالها المجتمع، وهو رأي أو حكم عقلاني يصدر من أحد أو جمهور من الناس، يشتركون بالانتماء بالوطن، لكنهم يرتبطون بمصالح مشتركة أو برؤية محددة إزاء موقف من المواقف، أو تصرف من التصرفات أو منفعة من المنافع..
عادة يبرز الرأي العام عفوياً عندما تظهر مسألة من المسائل، ويُثار حولها الجدل بعد مناقشة الرأي الغالب، أو الاعتقاد السائد أو إجماع الآراء أو الاتفاق الجماعي لدى غالبية فئات المجتمع أو الجمهور تجاه أمر أو ظاهرة أو قضية أو موضوع معين يدور حوله الجدل..
إشكالية الرأي العام هو الوصاية، من خلال محاولة التحكم بالرأي العام، وهو ما يؤدي لإدخاله إلى الباطن، وهو عرض من أعراض المرض الذي سينعكس على صحة العقل الجمعي، والخطورة أن يعتقد البعض أن ذلك من مصلحة الوطن، وهو غير صحيح على الإطلاق..
فالمجتمعات التي ترحب بتعدد الآراء وبالنقد البناء، وتسمح لأصحاب الرأي بالتعبير بدون مضايقات أكثر أمناً وتطوراً، وأقل فساداً ومركزية من غيرها، على شرط أن لا تتعارض هذه الآراء مع سلامة وأمن المجتمع..
هناك أسس ومبادئ لا يمكن الاختلاف حولها، ويأتي في مقدمتها وحدة الوطن وأمنه واستقراره، ولكن هناك أمور من الطبيعي أن نختلف حولها مثل الخدمات والإدارة وشؤون وحقوق الإنسان في حياته العامة، وقد يثري هذا الاختلاف الرأي العام، وقد يسهم في اتساع الرؤية حول أمر ما، ولذلك ليس من المصلحة العامة اتساع مصادر التلقي للرأي العام..
حياتنا عبارة عن عدد لا حصر له من القضايا، التي نتوقف عند بعضها، ونتجاوز الكثير منها، لكن درجة الوعي عند الإنسان هي التي تحدد الموقف من القضايا، وذلك بوضعه في ميزان المصلحة العامة، والتي إن تجاوزت المصالح الخاصة قد تبرز كرأي عام مؤثر.
جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتضع أسساً ولبنات للسلطة الخامسة، والملاحظ أنها تتطور بشكل مختلف ومتسارع، وقد تعددت وسائلها من الحرف إلى الصورة والصوت والحركة، وسيكون من المستحيل السيطرة عليها، ولو نجح جزئياً ستخرج تطورات جديدة، لكن الحل يكون في تطوير قوانين التعبير والنشر..
جميع البلاد يوجد فيها حقوق للنشر، كما توجد قوانين للتعبير، وعلى صاحب الرأي أن يلتزم بها عند التعبير عن رأيه، لكن المرفوض أن تكون مساحة التعبير يُساء استخدامها أو يُغير معناها، والجدير بالذكر أن احترام الرأي المتزن والعقلاني جزء من الحل.
خلاصة الأمر أن الرأي العام لا يمكن صناعته، ولكن يمكن التأثير عليه، والحل ليس بطمسه أو إلغائه إلا إذا كان لا يخالف مسلمات الوطن ومبادئه العليا، والله الموفق..