«الجزيرة» - الاقتصاد:
أوضح خبير أسواق الدين الإسلامية محمد خالد الخنيفر لـ«الجزيرة»، أن مشاركة البنوك التجارية المرخصة بالمملكة في برنامج صكوك الحكومة، يعني أنها قد حصلت على الموافقات الإدارية اللازمة من أجل المشاركة بالإصدار، وهذه الموافقات تشمل الهيئات الشرعية لكل بنك، حيث الاصدار لن يكون مقصوراً على البنوك الإسلامية بل سيشمل البنوك الأخرى التي لديها نوافذ إسلامية، وبذلك تكون الخطوة المقبلة الشروع في مرحلة الإصدار والتي تشمل تحديد وقته وحسم موضوع الجانب التسعيري للصكوك.
وأبان الخنيفر أن إعلان وزارة المالية عن إنشاء «برنامج صكوك مقوم بالريال» سيتم طرقه في أي وقت (بغض النظر عن الآجال المتفاوتة للإصدار)، اضف الى ذلك أن هذا البرنامج سيسهل من وتيرة إصدارات الصكوك القادمة (كخلفية عامة إصدارات الصكوك تأخذ الكثير من الوقت من أجل الإعداد لها بشكل كامل مقارنة مع السندات وبرنامج الصكوك الذي تم انشاؤه سيختصر المدة بشكل كبير).
وبخصوص الجانب الشرعي، قال: المتعارف عليه أن جهات الاصدار التي لا توجد في بلدانها هيئات شرعية مركزية خاصة بالعمل المصرفي، فإن تلك الجهات تستعين بالهيئات الشرعية للبنوك المرتبة للإصدار، وذلك من أجل تقديم المشورة الشرعية حول هيكلة الصكوك وإصدار الفتوى، ولا أستبعد قيام الهيئة الشرعية لبنك الإنماء بهذا الدور مع الإصدار السعودي المرتقب.
وكان مكتب إدارة الدين العام في وزارة المالية قد أعلن أمس الأول، أن البنوك التجارية المرخصة بالمملكة قد استكملت المتطلبات الداخلية التي تمكنها من المشاركة في برنامج صكوك حكومة المملكة، وهي: مصرف الإنماء، البنك الأهلي التجاري، البنك الأول، بنك البلاد، بنك الجزيرة، بنك الخليج الدولي، مصرف الراجحي، بنك الرياض، البنك السعودي البريطاني «ساب»، البنك السعودي الفرنسي، البنك السعودي للاستثمار، البنك العربي الوطني، ومجموعة سامبا المالية. يذكر أن توقيت إنشاء برنامج الصكوك، وكذلك أي إصدار بموجب هذا البرنامج سيتم وفقاً لتقدير وزارة المالية المفوضة بذلك بموجب مرسوم الميزانية.
تسعيرة الصكوك القادمة
وتوقع الخنيفر مع ندرة الإصدارات السيادية المقومة بالريال من الصكوك، أن تحظى وزارة المالية بمرونة أكبر في التسعير مع المستثمرين المحليين بما ينعكس إيجابيا على خزانة الدولة، متمنيا استخدام حجة نقص المعروض من الصكوك السيادية من أجل الضغط تسعيرياً على «الهوامش الائتمانية»، بحيث يكون تسعير الصكوك داخل القيمة العادلة للسندات التي سبق إصدارها قبل 9 أشهر بالسوق المحلية. مشيرا إلى أن من الجوانب الإيجابية التي قد تساهم في تضييق نطاق الهوامش التسعيرية لصالح المملكة يكمن في وفرة السيولة الفائضة بالقطاع المصرفي والتي انعكست ايجابياً على استقرار أسعار الفائدة المعروضة بين البنوك السعودية «سايبور» ولمدة 5 أشهر متوالية.
الدين المُسعَّر بفائدة ثابتة أو متحركة
وتابع خبير أسواق الدين الإسلامية: لن أستغرب لو تم تسعير الصكوك القادمة بربح ثابت أو متغير أو كليهما، لذلك من المفيد أن تكون لدينا الخلفية الازمة عن المنظومة التسعيرية لأسواق الدين بالمملكة وطريقة عملها، لافتا إلى أنه في حال تم تسعير أدوات الدين بفائدة ثابتة فهذا يعني أن المستثمر يعرف حجم الفوائد التي سيستلمها خلال فترة معينة. وقال تميل الجهات المصدرة نحو الفائدة الثابتة من أجل إغلاق (lock in)نسبة العائد الثابت خلال الأوقات التي تكون فيها أسعار الفائدة منخفضة (وبذلك توفر الملايين في حالة ارتفاع أسعار الفائدة بعد إغلاق إصدارها)، ولكن أحد أهم العوامل التي تسهل عملية التسعير هذه هي وجود مؤشر قياسي (Benchmark) يسترشد به، وهذا المؤشر كان مفقوداَ بأسواق الدين السعودية (لسنوات طويلة) قبل أن يعاود الظهور مؤخرا (مع إصدارات مؤسسة النقد في 2015). أما أدوات الدين المسعرة بفائدة متحركة فإنه يعاد تسعيرها (كل 3 أو 6 أشهر) بحسب بمؤشر القياس المستخدم، فعالميا يتم استخدام الليبور (وفي السعودية نستخدم السايبور)، ولذلك يسهل على البنوك تسعير قروض الأفراد والشركات وأدوات الدين باستخدام مؤشر القياس السايبور (بسبب توفر بياناته اليومية).
منحنى العائد مع الدين المُسعَّر بفائدة ثابتة
وأكد الخنيفر، من أجل تطوير أسواق الدين بالمملكة، أهمية إيجاد منحنى عائد (Yield Curve) للسندات والصكوك السيادية، منحنى عائد يحوي آجال متفرقة (3 أشهر- سنة - 5 سنوات الخ..)، مضيفا أنه عندما أصدرت السعودية سنداتها الدولية في وقت سابق، قام مكتب إدارة الدين بوزارة المالية بالاسترشاد بعوائد سندات الخزانة الأمريكية (الذي كانت تحوي على آجال 5 و10 و 30 سنة)، وهذا المؤشر «الحي» الذي يستعان به مع الديون المقومة بالدولار غير متوفر بالسعودية بطريقة يمكن أن نصفها بالمرنة، الأمر الذي يعوق الشركات (التي تنوي استخدام الفائدة الثابتة) من استخدام مؤشر قياس لديونها المقومة بالريال، وبسبب ذلك تدفع الشركات لتسعير أدوات الدين والقروض بالفائدة المتحركة ولتعرض أرباحها المالية للتآكل في حالة حدوث تقلبات سريعة وغير متوقعة عبر ارتفاع معدلات السايبور.
الحلقة المفقودة: مؤشر القياس السعودي
وقال الخنيفر: إنه من أجل تبيين أهمية إيجاد مؤشر محلي قياسي تستعين به الجهات الشبه الحكومية والشركات (الجهات المصدرة) عند إصدار أدوات دين، لنأخذ هذا المثال البسيط الذي يوضح الحلقة المفقودة في المنظومة التسعيرية لأسواق الدين بالمملكة، ففي حال افترضنا إصدار «ساما» - البنك المركزي - سندات ذات أجل 5 سنوات (بفائدة ثابتة) وتم تسعيرها ( spread) بـ 50 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية ذات الأجل المماثل (أي 100 نقطة أساس)، وهنا تكون نسبة الفائدة السنوية لتلك السندات هي 1.50 %، لاحظ أن السندات مقومة بالريال والمؤشر القياسي الذي استخدمته حكومة المملكة هو عوائد سندات الخزينة الأمريكية، وذلك بسبب ربط الريال بالدولار، بعدها بيوم تقرر إحدى الشركات إصدار سندات ذات أجل 5 سنوات (بفائدة ثابتة)، فهنا سنقول (بعد أن نأخذ في عين الاعتبار التصنيف الائتماني للشركة) إن تسعير سنداتها المقومة بالريال سيكون 90 نقطة أساس فوق سندات حكومة المملكة ذات الأجل المماثل، وبذلك تكون نسبة الفائدة السنوية لتلك السندات هي 2.40 %.
دور «تداول» في إيجاد المؤشر
ولفت الخنيفر إلى أنه من أجل إيجاد مؤشر قياس لأدوات الدين المقومة بالريال، من المهم في البداية إدراج السندات السيادية للمملكة (بكافة آجالها) التي بدأت «ساما» في إصدارها منذ يوليو 2015 (وذلك للمرة الأولى منذ 2007).
وتابع: يكمن التحدي الجوهري للسوق المالية «تداول» في إيجاد حل لتشجيع تداول أدوات الدين بالسوق الثانوية، فمن دون تداولات نشطة و«حية» لن يكون هناك مؤشر قياس يعتد به ولن تحصل أسواق الدين على منحنى العائد الذي يسترشد به مع التسعير، مؤكدا أن إيجاد سوق دين متكاملة ومستدامة من دون إدراج أدوات الدين السيادية وضمان تداول نشط عليها فلن نستطيع إيجاد مؤشر قياس مستدام.