فضل بن سعد البوعينين
تزامن البدء في إصدار البنوك للقروض العقارية مع انخفاض أسعار الفائدة الرسمية التي وصلت نسبتها إلى 00.75 مع تضخم كبير في سيولة البنوك التي توسعت في عروضها التسويقية لتعزيز محافظها الائتمانية وتحقيق مزيد من الأرباح. ولأسباب مرتبطة بسياسة الفائدة الصفرية الأميركية التي تبنى عليها فائدة الريال، وتضخم السيولة المحلية ظل سعر السايبر على مستوياته المتدنية دون تغيير. قدمت البنوك لعملائها عقود التمويل العقاري الإسلامي؛ وركّزت على عقدي المرابحة والإجارة؛ وحفزت عملاءها على الاستفادة من عقود الإجارة لتجاوز معايير التمويل التي لم تنطبق على بعض الراغبين في التمول الإسلامي؛ ومعايير العقود الشرعية؛ دون إفهام المقترضين مخاطر تغيّر الفائدة في عقود الإجارة؛ والمتوقّع حدوثها لا محالة عطفاً على الفائدة المتدنية آنذاك؛ ومتغيّرات سيولة القطاع المصرفي التي لن يدركها إلا خبراء المصارف المتمرسون في قطاع الائتمان.
ومن باب إبراء الذمة (الظاهرة)؛ وتحميل المقترض مسؤولية بنود العقد (المستترة)؛ ضمنت عقود الإجارة بند الفائدة المتغيِّرة الذي ينص على «تغيير نسبة هامش الربح الثابت للأجرة التي يدفعها الطرف الثاني كل سنتين من تاريخ سريان العقد حسب التغيّر في مؤشر السواب».
تضمين عقود التمويل بند الفائدة المتغيّرة؛ وإمكانية مراجعتها وتغييرها كل عامين عطفاً على متغيّرات الفائدة بين البنوك حين المراجعة؛ لا يخلي مسؤولية المصارف مما وقع فيه المقترضون بعد التغيّر الكبير الذي طرأ على السايبر لأسباب مرتبطة بشح السيولة وإرتفاع الفائدة الأساسية وهما من أهم مدخلات تشكيل سعر الفائدة النهائية أو ما تطلق عليه البنوك في لغتها (الإسلامية) هامش الربح.
يمكن القول إن شبهة «الغرر» كانت حاضرة في جميع عقود الإجارة الموقعة؛ فالمقترضون لم يكونوا على معرفة تامة بمعنى «السواب» أو تغير السايبر أو آلية احتسابه أو إمكانية حدوثه؛ ما جعلهم يقدمون على توقيع العقود والاقتراض دون أية اعتبارات لتغير الأسعار وتضخم الأقساط الشهرية (قسط الإيجار) كنتيجة مباشرة لارتفاع السايبر. ومن جهة أخرى؛ أحسب أن مسوقي التمويل العقاري في البنوك لا يمتلكون المعلومة الكافية عن آلية احتساب هامش الربح؛ والعوامل المؤثّرة فيه؛ ما يجعلهم عاجزين عن تقديم المعلومة الدقيقة للمقترضين عوضاً عن النصح والإرشاد. ولو أجرت مؤسسة النقد بحثاً عشوائياً على موظفي البنوك لتفاجأت بالنتيجة المؤلمة. لذا أشدد على شبهة الغرر في عقود التمويل العقاري بصيغة الإجارة؛ وهو أمر تتحمّله البنوك بالدرجة الأولى وموظفيها. كما أن البنوك خالفت نظام حماية العملاء الصادر من قبل مؤسسة النقد والذي ينص على إيجاد مستشار تمويل في الفروع لتقديم النصح والمشورة للمقترضين؛ ما يجعلها مسؤولة بشكل متعمد عن ضبابية العقود ومخاطرها المستقبلية. قد تدعي البنوك أنها أوجدت مستشار تمويل في مركزها الرئيسي؛ أو أي حجة أخرى؛ وتبقى العبرة في استفتاء العملاء حيال الاستشاره التي وجدوها قبل توقيعهم العقد؛ أو حتى تنبيههم بوجود مستشار تمويلي في الإدارة؛ مع يقيني التام بنفيهم الحصول عليها أو معرفتها.
ولإظهار حجم الكارثة التي تعرض لها بعض المقترضين؛ رغم بداية ارتفاع أسعار الفائدة؛ أسوق مثالاً حياً لمتغيّر الفائدة الذي طرأ على أحد عقود الإجارة، حيث قفز هامش الربح من مستوياتها المتدنية إلى 5.67 % ووفق بيانات مقترض آخر؛ ارتفع الإيجار الشهري من 10336 ليصل إلى 11855 ريالاً ما يعني ارتفاعاً كبيراً في مجمل الأرباح التي سيتحملها المقترض. رفع سعر الفائدة الرسمية مستقبلاً؛ وهو المتوقّع؛ يعني ارتفاعاً أكبر في هامش الربح؛ في الوقت الذي سيغذي فيه انخفاض سيولة البنوك سعر السايبر الذي سيتحمّله المقترضون؛ وهذا متوقّع أيضاً مع استمرار وزارة المالية في طرح صكوك محلية بدلاً من صكوك دولية مقومة بالدولار لتعزيز مالية الحكومة وتحسين سيولة القطاع المصرفي.
أوقعت البنوك مقترضيها في مصيدة «الفائدة المتغيِّرة» دون اكتراث بالمخاطر المالية والمجتمعية والقانونية المترتبة على ذلك؛ ودون تبصّر بمآلات الفائدة العالمية وحتمية ارتفاعها إلى مستويات أعلى مستقبلاً؛ معتمدة على عقودها الصارمة الضامنة لحقوقها المالية. تدهور أوضاع المقترضين بسبب الفائدة المتغيِّرة يستدعي تدخل مؤسسة النقد لحمايتهم ومراعاة ظروفهم المالية المتفاقمة والمرشحة للتدهور السريع وفق أمرين رئيسين. الأول تثبيت الفائدة الحالية وعدم السماح بتغييرها مستقبلاً بغض النظر عن تغيّر السايبر؛ وهذا أمر يمكن تحقيقه بسهوله؛ والثاني مراجعة العقود السابقة وإنصاف العملاء الذين وقعوا في الغرر من قبل البنوك؛ وإعادة الفائدة إلى سابق عهدها واحتساب الزيادة المحصلة في الأقساط السابقة كدفعة لإطفاء أصل الدين لا تكلفته.