تمضي بلادنا الغالية -بتوفيق الله- ثم بفضل حكمة وحنكة قائد مسيرتنا وباني نهضتنا سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- إلى تحقيق مسارات التنمية والاستقرار والرخاء الشامل.. على المستويَيْن الداخلي والخارجي في مختلف المجالات والأصعدة..
فمنذ أن تولى ملك الحزم والعزم - يحفظه الله - مقاليد الحكم.. وترسانة العمل الجاد والطموح تسير في وتيرة متصاعدة، تبلورها رؤية المملكة 2030م.. هذه الرؤية المفصلية التي تعمل لمستقبل الوطن وأجياله وأحلامه.. منطلقة من عقول الشباب وهممهم وتطلعاتهم نحو غد أفضل بحول الله.. يمثلها فكراً وغايات وعزيمة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -يحفظه الله-.. هذا الأمير الشاب النابه الذي يستمد نجاحه وتفوقه في القيادة والعزيمة من مدرسة سلمان بن عبدالعزيز الخالدة..
أستحضر هذه الإطلالة لأكتب عن وطني الغالي عبر منطقة الباحة التي أنتمي لها مثلما أنتمي إلى كل ذرة رمل على امتداد خارطة وطني الحبيب.. حيث تشرفت الباحة أرضاً وإنساناً بتعيين الأمير الشاب صاحب السمو الملكي الأمير حسام بن سعود آل سعود أميراً لها.. لأجدني أكتب هذه الأسطر، لا بصفتي الأكاديمية، بل بصفتي أحد أبناء هذا الوطن الكبير المحبين له والحريصين على نهضته وتنميته، وبصفتي أيضاً أحد أبناء منطقة الباحة المستبشرين خيراً بهذا التعيين المبارك.. وبهذه المناسبة أبعث باقة من رسائل الشكر والتهنئة والأمنيات..
الرسالة الأولى شكرٌ مقرون بالدعاء لقائد هذا التقدم والتطور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على الثقة الملكية الكريمة في صاحب السمو الملكي الأمير حسام بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، كما أشكر صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود بن عبد العزيز آل سعود على ما قدمه لمنطقة الباحة طيلة فترة عمله فيها من جهود رائعة للنهوض بها تنمويًّا واقتصاديًّا وسياحيًّا.
أما الرسالة الثانية فهي تهنئة قلبية صادقة للأمير حسام على ثقة خادم الحرمين الشريفين بتعيينه أميراً لمنطقة الباحة، خلفاً لأخيه الأمير مشاري. وإنني إذ أهنئ الأمير حسام فإنني أهنئ الوطن الكبير بقياداته المخلصة، وأهنئ منطقتي منطقة الباحة.
إن الملمّ بسيرة الأمير حسام الذاتية وخبراته الثرية عموماً، وتجربته الطويلة في قطاع الأعمال على وجه الخصوص، لا يملك إلا أن يتفاءل بمستقبل تنموي وسياحي مشرق لمنطقة الباحة التي تشتمل على مقومات واعدة، ستجعلها مقصداً سياحيًّا مهمًّا، لا للسعوديين فحسب بل للعديد من السياح القادمين من دول العالم، فمن خلال معالم المنطقة الأثرية، والمناظر الطبيعية، والتنوع الجغرافي والمناخي (تهامة، والسراة، والبادية كالعقيق) الذي قلّما أن تتوافر عليه أي منطقة من مناطق مملكتنا الغالية؛ الأمر الذي يجعله سرّ الاستثمار في باحة السياحة؛ وهو ما يجعلها بيئة خصبة لبلورة رؤية المملكة 2030.
ولعل البداية بإشراك أهل المنطقة والاستثمار في الإنسان سيسرع من عملية التطوير المنشودة، حيث - كما هو الحال في جميع أنحاء العالم- تعتمد التجارة بشكل كبير على أبناء المنطقة لجلب منتوجاتهم ومحاصيلهم، والاستثمار فيها وفق ضوابط وتشريعات تضمن استمراريتهم واستفادتهم المادية في إطار تنظيمي تتبناه الدولة بشكل مؤسسي منضبط؛ لتتجاوز المنطقة بذلك الجهود الذاتية المعمول بها الآن إلى جهود مؤسسية تضمن تحقيق الأهداف التنموية للمنطقة وأبنائها.
ومن جهة أخرى، فبيئة المنطقة تُعد بيئة زراعية صالحة لزراعة الزيتون، وتشبه في ذلك الدول المصدرة للزيتون عالميًّا. ويُشاهد ذلك بوضوح في بعض جبال المنطقة وغاباتها المغطاة بأشجار الزيتون البري. كما حققت محاولة استزراع الزيتون نجاحاً باهراً من خلال كرسي الشيخ سعيد العنقري لأبحاث الزيتون في جامعة الباحة. كما أن المنطقة غنية جدًّا بأشجار التين الشوكي الذي لو استُثمر جيداً لأصبح مورداً اقتصادياً جيداً لأهل المنطقة، وهذا المنتج - فضلاً عن كونه فاكهة صيفية محببة لدى المصطافين - له فوائد طبية جمة؛ إذ أثبتت الأبحاث الطبية أن زيته يعدّ الأفضل لعلاج العديد من الأمراض.
واشتهرت المنطقة بتنوعها وتميزها زراعيًّا للعديد من الفواكه، كالعنب والرمان والخوخ والمشمش واللوز التي تعد من أهم منتجات سراة الباحة، والحمضيات والنخيل، وغيرها مما ينبت في المناطق الحارة في العقيق، والفواكه الاستوائية في تهامة. وهذا الثراء الزراعي والتنوع المناخي لا يوجد إلا في منطقة الباحة.
ومن الأمور المهمة التي يبحث عنها المصطاف هي المهرجانات الشعبية التي تعكس الموروث الشعبي للمنطقة، ومعارض للحرف اليدوية والقطع الأثرية.
وتمتاز منطقة الباحة بثرائها وجذبها للسائح من خلال ما منّ الله به عليها من جمال الطبيعة في جوها وغاباتها وأوديتها؛ الأمر الذي يتيح فرصاً للاستثمار في عدة مجالات واعدة كالألعاب الرياضية الجوية (المناطيد والمظلات الشراعية بأنواعها) في جبال الباحة، إضافة إلى رياضة السير عبر الجبال (مسيرات الهايكنج)، وغيرها من الرياضات التي تستهوي السياح بمختلف فئاتهم العمرية.
ولتحقق هذه الدرة السياحية الجميلة ما ينشده السياح لا بد لنا من وقفة صادقة وجادة تجاه العقبات التي حدت - ولا تزال تحد - من النهوض بها سياحيًّا. فقد تحدثت مع العديد من قاصدي الباحة للسياحة، وكان هنالك شبه إجماع على أمور، يتمنى كل سائح تحقيقها, ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - ندرة الفنادق والمطاعم الفاخرة، ومطاعم الوجبات السريعة (الفرنشايز)، وكذلك ندرة الأسواق التجارية (المولات) ومدن ألعاب الأطفال، وقلة عدد الرحلات من وإلى الباحة من مختلف مناطق المملكة.
واختصاراً للوقت والجهد، قد يحسن أن يتم البناء على ما بدأه أمير منطقة الباحة الأسبق صاحب السمو الأمير مشاري بن عبد العزيز الذي دعا لعقد مؤتمر لاستنهاض همم الباحثين للخروج ببعض الرؤى الاستثمارية للمنطقة، وخرج منه الباحثون بأكثر من 80 فكرة استثمارية، كانت في مجملها تدور في إطار هذه الاحتياجات نفسه، وسبل تلبيتها.
ولقد بدأت وزارت التعليم ببناء فندق فخم في إحدى غابات المنطقة، ورصدت له مبالغ كبيرة من صندوق التعليم العالي، إلا أن المشروع لم يرَ النور. ولعل من المناسب البدء بهذا الفندق، والعمل على إنشاء فنادق عديدة فاخرة على غراره في الغابات، وإنشاء وحدات سكنية (فلل) كما هو معمول به في بعض الدول الغربية والشرقية في الغابات وسفوح الجبال، تحمل طرازاً معماريًّا، يحاكي بيئة المنطقة وثيمات معمارها.
ولضمان تشغيل تلك الفنادق طوال العام، وتحقيق أرباح جيدة، قد يُصار إلى إقامة العديد من الفعاليات في المنطقة بالتعاون مع الجهات والمرافق الحكومية الأخرى، كالمؤتمرات والندوات والمعارض والمسابقات على مدار العام، حينها ستكون الباحة مقصداً علميًّا وثقافيًّا وسياحيًّا، لا في فترة الصيف فحسب، بل على مدار العام؛ الأمر الذي سيشجع ذوي رؤوس الأموال على استثمار أموالهم، وضمان ديمومة أرباح مناسبة لهم. كما يمكن توجيه الدعوات للوفود السياحية من الداخل والخارج من خلال برامج سياحية ملائمة لجميع أطياف السياح وأعمارهم وخلفياتهم، وذلك من خلال إنشاء بوابات سياحية في كل محافظة من محافظات المنطقة، تعمل على تسويق ما تتوافر عليه تلك المحافظة من مواقع جذب سياحي، ومن ثم تربط تلك البوابات بالهيئة العامة للتراث والسياحة.
ومن المناسب أيضاً إعادة النظر في عدد الرحلات من وإلى الباحة، واستقطاب طيران نسما والخليجية لنقل الركاب بين المدن المتقاربة، مثل الباحة وبيشة والطائف وجدة وأبها، وتبقى الخطوط السعودية للرحلات الطويلة بين الباحة والرياض والدمام وغيرها.
وختاماً، فإنني أهنئ سمو أمير منطقة الباحة الأمير حسام على الثقة الملكية الكريمة بتعيينه أميراً للباحة، وأسأل الله له التوفيق والسداد، وأن يحفظ على مملكتنا نعمتَيْ الأمن والرخاء في ظل قيادتنا الرشيدة.
** **
د. محمد بن سعيد العلم الزهراني - وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للتبادل المعرفي والتواصل الدولي