د. محمد بن إبراهيم الملحم
اختبارات دراستي تيمز TIMSS وبيرلز PIRLS الدوليتين والتي تستخدمهما غالبية الدول لمقارنة أداء نظامها التعليمي أصبحت مؤخرا محل اهتمام شديد بل أصبحت نتائجها مثيرة للقلق لدى بعض الدول بحيث توجه تساؤلات للمسؤولين على التعليم على ضوئها، كما أن الأنظمة والدول ذات المراكز المتقدمة تجني الإشادة وتتمتع بالفخر والرضا، وبالجملة تقوم عليهما قرارات كثير من الدول بشأن تعليمها. والواقع أن هاتين الدراستين جيدة وبها الكثير من الحرص وتجريهما جهة مستقلة بيد أن هناك من وجه لها انتقادات مهمة من الخبراء والباحثين في العالم، سأتحدث عنها قليلا لهدف أذكره بعد قليل. من هذه الانتقادات أنها مرتكزة على منهح دراسي معين فإذا لم يكن متوفرا بكامله لدى نظام تعليمي ما فلن تكون فرصته في التقدم عالية ويحدث لديه قصور في النتائج بمقدار النقص الموجود لديه عن محتوى المنهج الافتراضي، وهذا دفع كثيرون إلى "اعتناق" المنهج الذي يستهدفه الاختبار مما يتخم حجم الموضوعات المقررة على الطلاب (لهدف الاختبار).
هناك أيضا ثغرات في التطبيق ترافقت مع كيفية تكوين عينة المشاركين، والمشتغلون في البحث العلمي يعلمون معنى ما أرمي إليه هنا بشأن "العينة" فهي من أهم وأخطر مراحل البحث العلمي، وحيث إن هذه الدراسة تستخدم نوع العينة "العشوائية الطبقية" Stratified Random Sampling فإنه يتم الاختيار (أو السحب) على مرحلتين: الأولى تحدد فيها عينة مدارس تمثل مجتمع المدارس المعرَّفة (بتشديد وفتح الراء) وطنيا والثانية تحدد فيها عينة الفصول الممثلة لتلك المدارس حيث يسحب عدد طلاب يكافئ فصلا كاملا من كل مدرسة، ومربط الفرس هنا أن ما بين تبليغ مؤسسة الاختبار الدولية للدولة بأسماء مدارس وطلاب العينة وإجراء الاختبار فعليا فترة قدرها عدة أشهر، وهذا يسمح لبعض الدول (مع الأسف) باستغلالها لتدريب أولئك الطلاب على الاختبار تدريبا مكثفا، لا على إجراءاته وطريقته (فهذا سائغ) ولكن على مستوى المحتوى وطرائق الأسئلة التي تستهدف أساليب من التفكير والتحليل ليست مما يمارسه المعلمون في تدريسهم، ولكن يدرب عليها طلاب العينة المحددون ليحققوا نتائج أعلى من حقيقتهم، ومع أن التدريب لا يرفع مستويات الطلاب كثيرا جدا لغياب التأسيس المبكر لكنه دون شك يرفع النتائج بشكل نسبي له أهميته ويشوه الحقيقة. ومع الأسف فإن بعض الدول مارست هذه الممارسة، هذا عدا ما توفره هذه الفترة الكبيرة نسبيا (والتي أتاحتها المؤسسة الدولية انطلاقا من مبدأ الثقة) من فرصة لتصرفات أخرى متنوعة تستهدف رفع النتائج لا داعي لإزعاجكم بها.
والآن لماذا قدمت هذه المقتطفات من النقد الموجه للاختبارات الدولية؟ لم أفعل ذلك في الواقع لكي أقوض دلالات نتائج هذه الاختبارات نحو جودة نظامنا التعليمي والتي أشارت أنه دون المتوسط... بل إنه من منخفض إلى منخفض جدا ولكن لأوضح أن هذه النتائج المنخفضة كانت ستكون أقل انخفاضا مع الأسف وهذا مرعب !! ولهذه الأسباب أيضا فإني أرى أن نتائج الاختبارات الدولية ليست هي فصل القول لنطمئن على تعليمنا، وأرى أن المؤشرات النوعية الأخرى أكثر وجاهة وارتباطا بمسألة التحضر civilization ومقتضيات التنمية الاقتصادية ونمو الاقتصاد الوطني بل وحتى الرفاهية الاجتماعية welfare وأعني بهذه المؤشرات النوعية ما ذكرته في مقالة سابقة من هذه السلسلة: إنتاجية الفرد، سرعة اكتسابه التقنيات الحديثة، صحة الأفراد وتكاثرهم، توزيع الثروة، بالإضافة إلى المؤشرات الثقافية المتنوعة. ولا أدري أين أجد هذه المؤشرات في مكان واحد لأجل أن أفيدكم هل تعليمنا بخير، لكني سأواصل الحديث عن نتائج الاختبارات الدولية على الرغم من مثالبها لنأخذ بعض الدروس المستفادة ورؤية للمستقبل.