د. خيرية السقاف
كأنني في بحر لُجيٍّ..
وحين أقبلت للبوح خرجتُ بحروف مبللةً من فرط الزمهرير..!!
من كوة بيت قديم حملتُ بقايا أعواد وجدتها مندسَّة بترابها في زوايا حجراته الصامتة،
موحَشةً من فرط الغياب!!..
على رصيفٍ أتخيلُه لا يزال يحتفظ برائحة خُطىً عبَرتْ به جيئة وذهابا،
ردحا من زمنٍ كفيلةٌ ذاكرتُه ببصماتها..
جئتُ من مدِّ محبرة ارتفع فيها منسوبُه،
اغتسلتُ بمدادي من فرط الضجيج!!
كأنني أنفض رأسي من أثقالٍ..
بكل الصدق أعزتي، الأيام التي لم أكن فيها هنا، لم تكن وقفة محاربٍ شاء استرجاع أنفاسه،
تطلع لاستبدال ذراتها، أراد مزجها بقطيفة أجنحة، وتمنى إطلاقها للمطر..
لم تكن، لم بكن وقفة حكيمٍ عند منعرج اتجاه السِّيل خطَّطَ مفازاته لينجو..
وعلى أية حالٍ، لم تكن الأيام التي عبرَت نديةً كيف يشاء المُحتَرُّ من قيظ الصيف،
ولا مرفَّهة كما يشاء حامل الأحطاب وهو يأوي من الغابة بغلته، يتوسد متكأه، ويشهق بعد كوب من ماء بارد بقايا لم يحلُ لها غير أن تتوسد صدره، وتفترش كمونَه!!..
كانت كأيامكم بالتفصيل، والتفاصيل، والبقايا، مكتظةً، صاخبةً، راكضةً، مدلهمةً، مفعمة بآتٍ،
تكاثر لهيبها، تكاثفت أحداثها، لمعت ببرق، خاتلت بغيمة، داهنت بفرح، أوحشت بغمَّة، أومَضَت بأمل!!..
ورأسي، تماما كرؤوسِكم ينوء بطيوف أفكارٍ كما دبيب النمل دبيبُها،
لا تفرغ من إيغالها مشيا بطيئا ثقيلا في مساحة زواياه.
لكنني جئت أتهجى الكتابة كأنما أنا طفل في مدرسته يكرُّ الحروف في لثغته!!
ليس إلا قيضٌ من لُجيٍّ ينتهك سكوت التأمل،
يسطو على حيرة الوقت!!
كلنا مذهولون من فجاءات الخيبات في الذي خرج من الكمين لبسطة النور..
وكلنا مسرورون من أماني التوقعات في الذي بين أيدينا من أبجديات التطلعات!..
وكلنا في مشاربنا فيضٌ من يقين، وفي ذائقتنا طعمٌ من حنين..
نحنُّ لبرد القيظ، نشوق لنعيم الثقة،
نستلهم السؤالَ الخفيَّ من الإجابات،
ونستشرف من الإعصارِ الزكيَّ من النبوءات!!
أجيءُ كأنني اللحظة أستكين، هنا حيث مناخي، ومسراي..
فالخطو نحوكم نهجُ الياسمين،
والكتابة لكم صدق الموقنين..
بين عيونكم أزجي تحيات الصبح حين يتنفس سعادة،
لإلهام الليل حين يبسط لمعة النجوم على سواده..
كلنا لما هو آت في مركب العمل بمعيَّة الأمل..
قرائي الأعزاء:
سلام عليكم من القلب ومنثور الياسمين شذاكم!..