فهد بن جليد
إهمال الطفل بشكل كامل من قِبل الوالدين، أو التحكم الصارم والتدخل في كل تفاصيل حياته الصغيرة بشكل مُباشر، ثبت علمياً أنَّ له -في الغالب- أضراراً كبيرة وغير مُتوقعة على شخصيته وسلوكه في المُستقبل، مما قد يجعل منه مُعتلاً نفسياً خفياً في المُجتمع، أو يحوله إلى مُجرم يعاني من الاعتلال النفسي المُزمن، كما ذكرت ذلك دراسة نرويجية توصلت إلى هذه النتائج من خلال مُقابلة سجناء خطرين قاموا بجرائم بسبب تعرضهم لهذا النوع من التربية المُتناقض في كلتا الحالتين السابقتين، مما يعني أنَّ النموذج المُعتدل في الحرص والاهتمام بالطفل، ومُراقبته بشكل إيجابي، دون التحكم في كافة تفاصيل حياته أو إهماله كلياً، هو النموذج الأفضل للتربية.
في عالمنا العربي يصعب وجود مثل هذه الدراسات -طويلة النفس- إمَّا لصعوبة دراسة نفسية السجناء والمُجرمين والتوصل لهم، أو لعدم اهتمام الباحثين أصلاً بهذا النوع من الدراسات والاكتفاء بنتائج عامة لا تبحث في تفاصيل التربية بشكل دقيق، وتحول بعض الباحثين نحو دراسات سطحية سهلة، تنفذ بشكل شمولي وعشوائي عن حياة هذا الشخص الخطر، لتحقيق أهداف بحثية دراسية وتسجيل درجات علمية، دون التعمق أكثر في التفاصيل، وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود دراسات تحمل ذات النتائج ولكنها مجرد عناوين ومحاور عامة.
الدراسة التي أجرتها الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا حول النمطين السابقين من التربية، لا تعني بالضرورة أنَّ كل من تعرّض لأحد هاذين الأسلوبين تخرج أو تحول إلى مجرم أو مُعتل نفسياً، فهناك أطفال يهملهم الآباء ولكنهم ينجحون بعد ذلك في حياتهم العلمية والعملية والإنسانية والعائلية، وبالمُقابل كذلك أطفال تعرضوا لحياة صعبة وصارمة وتحكم كبير من الأب أو الأم، ولكنهم باتوا نماذج رائعة في الحياة، مما يعني أنّ الدراسة توصلت لنتائجها بدراسة حياة وطفولة المُجرمين أو من يعانون اعتلالاً نفسياً مُتقدماً أثّر على حياتهم وهم في السجن الآن.
الحياة الطبيعية هي حياة آمنة للطفل، وهو ما ينعكس على الاعتدال النفسي والسلوكي الذي يسود مُعظم المُجتمعات، وإذا ما أردنا مثل هذا المُستقبل لأطفالنا فعلينا تجنب التشدد التربوي والإهمال معاً، مع تقدير مخاوف الآباء من تغير الحياة وتقلباتها واهتمامهم المُفرط بالأبناء، أو الانشغال عنهم بشكل تام بسبب ظروف الحياة ولقمة العيش أو أي ظروف اجتماعية أخرى مثل الطلاق وغيره، فنتائج الإهمال أو التشدد مُخيفة ومُؤلمة، وتعني استمرار هذا المرض وتناقله بين الأجيال الإنسانية، وهو ما يجب الانتباه له.
وعلى دروب الخير نلتقي.