خالد بن حمد المالك
هل كنا بحاجة إلى كل هذا التصعيد الإعلامي لمناقشة أزمة دولة قطر مع جيرانها؟!، ومن المسؤول عن كل هذا غير قطر، أولاً؛ لأنها سبب المشكلة بتبنيها للإرهاب ودعمها له، وإيوائها للمتهمين فيه، وتشجيعها لما يفهم من العمليات، والتدخل في شؤون الآخرين، على أنه عمل إرهابي لا يمكن إنكاره، وثانياً؛ لأن قطر تنكر دورها المشبوه في ذلك، وتوظف الإعلام لإعلان براءتها ووصم غيرها بالإرهاب حيناً، والتجني عليهم حيناً آخر، ما جعل الإعلام المنسوب لقطر، أو المدعوم منها، مع فقده للحجة، وافتقاره إلى الحقيقة، ينزل إلى هذا المستوى المبتذل في النقاش والحوار حول قضية محسوبة سلفاً لغير صالح قطر، وقد رأى البعض في مثل هذا الإعلام سقطة مدوية لا تعفي الدوحة من المسؤولية، ولا تنقذها من الاتهامات التي تطوق أعناق شيوخها الثلاثة، ومن شاركهم في مسؤولية التآمر على دولنا.
* *
يقول من كان يتصل بي معلقاً على التناول الإعلامي لأزمة قطر، إن دول المنطقة شهدت من قبل تطورات وأحداثاً ومؤامرات بحجم كبير، لكن الإعلام احتفظ بوقاره ورسالته وموضوعيته إلى حد ما، ولم ينسَق كما هو اليوم، ولم يكن رخيصاً كما هو في هذه المرحلة التي تتطلب أن يكون الإعلام في خدمة معالجة المشكلة أو الأزمة القطرية التي تنذر بسبب التأجيج الإعلامي لما هو أسوأ، وقد قلتُ لمحدثي إن الإسفاف هو سمة الإعلام القطري، وأن أصل المشكلة وتداعياتها بسبب المواقف القطرية، وأن ثقافة الردح الإعلامي استوردته لمنطقتنا قناة الجزيرة بدعم مالي مفتوح من حكومة قطر، وعلى هذا، فإن هذه مسؤولية قطرية لا يشاركها فيها أحد، ومع ذلك فقد كان التناول الإعلامي غير القطري والمحسوب على قطر ممسكاً بالعصا من الوسط، فهو لم ينزل إلى مستوى الطرح الإعلامي القطري، ومع ذلك فهو لم يشأ أن يكون موقفه موقف المتفرج على الأكاذيب والادعاءات وتسويق كل ما يخالف الواقع.
* *
وبالنظر إلى توسيع قطر لأبواق إعلامها لتتحدث بما لا يجوز أن يقال، وإعطاء الضوء الأخضر لزيادة نبرة الصوت الكاذب والحاقد في مواجهة الحقائق الواقعة، فلابد أن يكون الرأي الآخر الذي يتسم بالعقلانية والموضوعية حاضراً وبقوة، ولكن دون أن ينزل أو يُجرّ إلى مجاراة الإعلام القطري في الخروج عن أدب الكلام وثقافة الحوار، لتؤكد دولنا على أن إفشال هدف الإعلام القطري، إنما يأتي من خلال تجاوز التجريح والبذاءات، والالتزام بسمو الكلمة والاعتماد على المعلومة الصحيحة، وهذا ما يعمل عليه الإعلام المضاد للإعلام القطري، فالأول يعتقد أن استخدام الكلمات المسيئة هو المؤشر في انتصاره في هذه المعركة القطرية المفتعلة، والثاني يرى أن كسبه للجولة في هذه الأزمة القطرية لا يتأتى إلا بالتزامه بميثاق الشرف الذي تربى عليه إعلامياً، واحتفظ به في كل معاركه ومواقفه.
* *
إن المستفيد الأول والأخير من هذه الأقلام والأبواق الإعلامية الرخيصة هم أولئك الذين يقبضون من قطر ثمن مواقفهم بأغلى الأسعار، فهؤلاء يبيعون ضمائرهم، ويعرضون أنفسهم للبيع، ويكيلون بما تريد الدوحة حقداً وكراهية لأشقائها، وكلما زاد كيل قطر لهم من المال زاد كيلهم عدواناً على جيرانها وأشقائها، وهكذا دائماً هم العملاء والمرتزقة، ومن يعملون مع قطر، فهذا الإعلام بلا ضمير أو حس إنساني، أو إيمان بقضية، قضيتهم المال، وإيمانهم بما يحقق لهم مالاً أكثر، ولن يكون هناك من هم أكرم من قطر وأكثر استعداداً للتجاوب معهم، وليس بين دول العالم هناك غير قطر من يؤمن بأن قوته في توظيف الإعلام لشتم ونشر الأكاذيب ضد من يختلف معها، وهي حاذقة ومهيأة وتحسن اختيار المرتزقة والأبواق الإعلامية المناسبة والموهوبة لممارسة الإعلام في وجهه القبيح، بما تظن الدوحة أنه يخدمها، ويعزز من مكانتها، ويضعها في موقف قوي أمام خصومها، والأمر ليس كذلك، لو تدبرتْ الأمر، وأدركتْ نقصها في الفهم والاستيعاب.
* *
كل هذا يحدث، وهذا الإعلام لا يعنيه شيء مما يوصم أو يتهم به، فهمُّهُ أن يكسب المال الحرام، وأن تطول الأزمات، وتتكرر، فرزقه يقوم على هكذا أهداف، مثله مثل كل إعلامي يفتقد إلى المصداقية والموضوعية، والتاريخ المشرف، ولهذا رأينا طوابير من الإعلاميين وأشباه الإعلاميين يتسابقون إلى قطر، يعرضون خدماتهم، لمناصرتها في باطلها، والوقوف معها في أكاذيبها، وتحسين صورتها، من إعلام يحتاج هو قبل قطر إلى من يحسِّن صورته، ويزيل عنه هذا السوء والقبح، في الممارسة الإعلامية، غير أن قطر مغيَّبة عن الحقيقة، جاهلة بحجم المؤامرة التي تُدبَّر ضدها، من دول إلى تنظيمات إلى أفراد وإعلام، وجميعهم يريدون تدمير قطر، وأن يعيشوا على أنقاضها، ويكون هناك ممر لأموالها إلى جيوبهم، مقابل كلام رخيص يبيعونه لشيوخ قطر، لعل وعسى أن يكون هذا العمل منقذاً لهم من تُهم إرهابية ثابتة عليهم.
* *
هذا الإعلام القطري، وذاك من يتم دعمه بشكل مباشر أو غير مباشر، ما الذي يمكن أن يفعله لإنقاذ قطر، في ظل افتقاره إلى الحقائق وخلوِّه من المعلومات التي تدين الطرف الآخر، وكيف له أن يردَّ على تُهَم موثقة بالصوت والصورة والوثائق المكتوبة، بينما الإعلام الآخر لم يرتكب خطأ، ولم يمارس جريمة، وظلت ساحته بريئة من أي سلوك أو مؤامرة، يمكن أن يؤاخذ عليها، ففي الأول نجد أن إعلام قطر يتخبط، ويفتقر إلى ما يسند رأيه، ويعزز من مواقفه، وفي الثانية نجد أن إعلام المملكة والإمارات والبحرين ومصر لديه مخزون من الحقائق للدفاع عن مواقفها، وهزيمة الإعلام المضاد، وكان على قطر أن توفر مال الشعب القطري، ولا تستسلم لمقترح استحضار هذا الإعلام للدفاع عنها.
* *
فالإعلام الذي يقوم على الدجل والأكاذيب وانتحال القصص التي لا يصدقها غير شيوخ قطر هو إعلام فاشل وميؤوس منه، بينما الإعلام الذي يكون ارتكازه واعتماده على الحقائق والمعلومات الموثقة والروايات الحقيقية هو الإعلام الذي يصنع النجاح ويصل إلى الهدف، ويكشف زيف وأباطيل الإعلام الآخر، وهذا هو ما تم استنتاجه في معركة الإعلام والإعلام المضاد، حيث بانت الحقائق، واتضح للناس ما كان مغيباً، وقد أدرك الجميع أننا أمام إعلام قطري مضلل، يتسلى به القطريون بين شامت منه، ومرتبك أمام كلام ينضح بالأكاذيب والكلام الرخيص، لهذا كان لابد لشيوخ قطر أن يلجموا هذا الإعلام، ويوقفوا هدر المال الموظف لاستمراره، وإدراك أن الإعلام المؤثر هو الإعلام الذي يقوم على المبادئ الأخلاقية والنزاهة والصدق والموضوعية، وهذه لا نجدها في الإعلام الذي يتحدث دوماً عن قطر.
* *
إن من يشاهد قناة الجزيرة التي تمثل أهمية لدى القطريين، وهي قناة شتامة، ومتآمرة، ولها دور ملموس في إثارة الشعوب على حكامها، والترويج للمؤامرات، وخلق بيئات تحريضية في دولنا، بما في ذلك إثارتها للنعرات والمذاهب والمناطقية والفئوية والقبائلية، وكل ما يساعد على إثارة الفتن والتحزبات، فإذا كانت هذه قناة الجزيرة، فكيف ببقية الوسائل والمنصات الإعلامية التي تخدم التوجه القطري المشبوه، إن لم نكن قد أدركنا ذلك، فعلينا أن نفتش عن جانب إيجابي واحد لقناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام القطرية الأخرى، أو تلك الممولة من قطر بشكل مباشر أو غير مباشر، ممن عليها أن تقبل بما يملى عليها من مهندس هذه الصفقات عزمي بشارة، وغيره من النافذين في دولة قطر، حيث لوحظ زيادة وتيرة الصوت الإعلامي القطري بشكل لا يمكن فهمه، إلا أنه رد فعل على ما تعانيه الدوحة من ضيق وارتباك وشعور بالخوف مما هي مقبلة عليه.
* *
نريد أن نسمع صوتاً إعلامياً يخدم قضايا قطر، معتمداً على أساليب موضوعية وحقائق مقنعة، أما افتعال القصص والروايات، واستخدام أساليب يعف عن ذكرها اللسان، فهي فقاعات لا تلبث أن تزول، وخير لقطر أن تدين نفسها بالاعتراف بأخطائها، من أن يدينها إعلام مأجور يشوه صورتها بأكثر مما هي مشوهة، ويضيف إلى أكاذيبها بأكثر ما يحتفظ به رصيدها، فلا عبرة ولا قيمة لقول مفرغ من أي معلومة صحيحة ولا حجة يُعتد بها في نقاش ليس له مكان من الحقيقة، وما أحرى بقطر أن تتحرر من هذا الإعلام الذي عفى عليه الزمن، ولم يعد ذا قيمة في التأثير على الجماهير، فقد ولى زمن إعلام النكسة، وانتهى إعلام أحمد سعيد، وإن بقي من يحاكيه ويقلده في قناة الجزيرة.
* *
أنهي هذا المقال بالقول: إن أمام دولة قطر مسؤولية تاريخية، وأن مثل هذا الإعلام إنما يشوه هذه المسؤولية، ويسجلها كمرحلة مراهقة قطرية في التعامل مع هذه الأزمة وسابقاتها، فلعل تميم ووالده وحمد بن جاسم يعيدون النظر في حساباتهم، فما أحوج قطر إلى التخلص من آثار المواقف غير المسؤولة التي فاحت رائحتها، وعلا صوت الإدانة الواسعة لها، إذ بغير هذا فلن يكون إعلامها إلا كمن يحفر قبرها، إلا كمن يتآمر عليها، ويضع نفسه في خدمة عدوها وعدونا، فلا تعطوه هذه الفرصة، ولا تمكنوه من إنجاز مؤامراته، فالتاريخ يشهد، والتاريخ يسجل، والتاريخ لن ينسى.