نادية السالمي
المواجع الإنسانية تُفقد الحياة ألوانها، ويتعثر بسببها الأمل، والتعاطف مع مواجع الناس وحّد المعنى عند الشاعر التشيلي «بابلو نيرودا» والشاعر عبد السلام رزيق، لذا قال الأول: «إذا فتحتُ النافذة صباحًا ورأيت قتيلًا ورأيت وردة فمن العار أن أكتب شعرًا عن الوردة». وقال الأخير: «وأنضج الهم أشعاري فلا ألم.. أراه في الناس إلّا خلتني الشاكي»
لبعض المواجع وجه محترق تستطيع النظر إليه والحديث عنها، ومواجع أخرى وجهها المحترق مشوّه لا يمكن النظر إليه، ولا الحديث عنها فتكلفة الحديث فيها باهظة، لذا إن تكلمت نالك العتاب وإن سكت كالوا لك السباب، فما العمل، والتهم جاهزة ولكل حزب جريرة ارتكبها أو لم يرتكبها ؟!. الحل معتمدًا على المبادئ ابذل ما في وسعك لخدمة وطنك وتحمّل عواقب فعلك وتعلّم أن العشرة مع الناس والحروف تتطلب مع الجرأة الصبر، وتضحياتك إن لم تقدّر اليوم قد يقدّرها لك جيل ما جاء بعد.
الصورة الذهنية في العقل الجمعي:
«المرأة عدوّة المرأة» مقولة صنعها الرجل وروّج لها ويساعده على هذا _ للأسف _ من آمنت بها لتساهم بتكريس الصورة الذهنية في المجتمع عن علاقة المرأة _السيئة في غالبها _ مع المرأة الأخرى، وبسبب هذه العداوة المزعومة في نظرهم الرجل أولى بتولي المهام والفصل في شتى الأمور، حتى تلك التي تعنى بالمرأة وحدها!. وهذا الحل الهزيل هو الفخ المنصوب لتبقى المرأة رهينة للرجل، فمتى تتحرر المرأة من التشبث بهذه المقولة التي يمكن دحضها بكل سهولة مثلاً: كوثر الأربش وعزيزة اليوسف مع حفظ الألقاب لهما من تخالفهما من النساء بكل ما تستطيع من قول وفعل، ولهما من تؤيدهما وهن على استعداد لمناصرتهما إلى آخر الطريق، كذلك حال تركي الحمد وعقل الباهلي مع حفظ الألقاب، لهما قاعدة جماهيرية كبيرة مؤيدة ومثلها في الحجم مناهضة فهل يعقل أن نقول إنّ الرجل عدو للرجل؟!. المعضلة معضلة أفكار أتفق عليها معك أو لا نتفق، وبعيدة في غالبها كل البعد عن العداوة، هي منوطة بالقدرة على تحمل المسؤولية ففي الرجال من يغار من الرجال ومن يحقد وينصب الشباك للرجل آخر لمجرد أنه ناجح، إذن الأمور لا تؤخذ بهكذا حدة، فالعواطف تتقاطع في الأجناس البشرية جميعها، والعقل يديرها بما يليق بوعي صاحبه أو تهوره.
الخلاف أفسد الود فهل يفسد القضية:
لا مشكلة أن تكون فلانة أو فلان مختلفين مع وجهة نظر مجموعة من الناس أو حتى الحكومة لقضية ما، الرأي الآخر باعث جيد وعامل قوي لتحريك الفكر واستحداث طرق بديلة وجديدة في شتى ميادين الحياة، والدول المحترمة ميزتها تخلق معارضة داخل الوطن تشاركها التنمية وتدافع عن الوطن ومن فيه، ولا تكفّرها ولا تخونها ولا تسمح بهذا، بل هم جميعًا في معية القانون بكل حرية يرفرفون في أرجاء البقعة التي تجمعهم. اختلاف الرأي بين السيدة كوثر والسيدة عزيزة إن أفسد الود عليه أن لا يفسد القضية، ولا المبادئ التي يجب أن تُراعى لإتمام القضية والخروج منها بنتائج تصب في صالح الوطن والمرأة، ثم من غير المعقول كلما فسد لنا ود في قضية أو تفرّعت القضية لأكثر من رأي، نستعين بالسلطة لتزج بالآخر في غياهب بعيدة عنا باسم الدين وبتهمة كافر تارة، وتارة أخرى باسم الوطن وبتهمة خائن!. كوثر الأربش وعزيزة اليوسف لهما نفس الغاية لكن الطريق لها اختلف بشكل منفر للوعي والحرية، السيدة كوثر بزعمي أخطأت حين رأت المرأة السعودية متقدمة ورائدة بمقارنتها بالجدة أي بحقبة سابقة لها مقاييسها البعيدة في اندثارها، وكان عليها أن تقارنها بما منحها الإسلام من حقوق، وما لدى العالم المتحضر من حقوق للمرأة، تفرض على الأب والأخ والزوج احترامها ولا ينكرها كل منهم ولا يقوى على تجاوزها، بل كان عليها أن تقارن بين إنجازات المرأة السعودية داخل الوطن بالسعودية التي تعمل وتدرس في الخارج.
المرأة السعودية غالبًا لا تريد من بهرجة حقوق الغرب إلا ما كفله لها الإسلام من حقوق تم تعمّد تشويهها بخلطها بعادات وتقاليد تُحجّر دورها، وتعرقل مسيرتها. وكوثر كغيرها وهم كثر، ترى أن الوطن يحدق به أصحاب الأهواء والصدور المريضة بالحقد وليس هذا وقت حقوق، وفي هذا للأسف احتكار للخوف على الوطن، وادعاء بامتلاك الحقيقة، فكلنا نرصد هذه الأهواء ونعرف من هم الحاقدون لكن التنمية يجب أن تستمر ولا تتوقف تحت أي سبب، والحقوق يجب أن تعطى، والانتقاد لا يعني أننا لا نشعر بالوطن وما يتم إنجازه، ولا يعني أننا لا نتوجّس من مكر الأعداء وتصيدهم للأخطاء، لكن الحياة تستمر والتطور لا يتوقف وهذا هو دور الأوطان المؤمنة برسالاتها وهذا دور الكوادر الواعية، والاعتراف بالخلل أول طريق النجاح وتجاوز الصعاب، لهذا لنعترف أننا لسنا كل الناس ولا نملك من الحقيقة إلا طرف واحد وبقية أطرافها بعيدة عن متناول عيوننا وربما وعينا، وهذا الاعتراف يدفعنا لاعتراف آخر وهو أن للبعض معاناة دفعتهن للفرار من المنزل بل وحتى خارج الوطن. زيارة واحدة لدور الرعاية فيها نبأ عن عظم ما لقيت النزيلة من إهدار لحقها في الحياة من أسرتها، ونظرة في صفحة في الجريدة عن الطلاق بسبب عدم تكافؤ النسب، وتدخّل الأهل يشي عن الأذى واحتكار المصير، فكيف سنقنع هذه المعنفة وتلك المعذبة أن عليها أن تنتظر ربما تتحسن شروط المعيشة للأجيال القادمة فبلادنا يتربص بها العدو، ولا نرغب أن يتحدثوا عن الحقوق المسلوبة فقد يُسلب أمننا؟!.
هذه المعذبة وتلك المعنفة، قد لا تجد من يسمح لها بالذهاب إلى المستشفى في الوقت الذي تخرج غيرها خارج الوطن للنزهة متى ما سئمت من الروتين، هذه المعذبة وتلك هناك من يحدد لها حتى لون صبغة شعرها، في الوقت الذي نستطيع نحن دراسة ما نريد في المكان الذي نريد.
هذه المعذبة والمعنفة لن تجد مبررًا لك وللمجتمع إلّا أننا ما ذقنا ما ذاقت ومصيرها بيد ولي أمر لا يخاف الله فيها ولا يخشى كلام الناس، وطالما لسنا منهن فمن واجبنا عدم الرضى ولا المماطلة في حصولهن على الحق المشروع، وإخضاعهن للمزيد من الصبر والكثير من مواعظ فضائله في الوقت الذي لا يكف عن الترفيه من يطالب بقمعهن.
الحق أحق أن يتّبع:
طالما الحقوق تطلب من منابر وطنية داخل البلد لا من مقاهٍ ولا فنادق خليجية أو عالمية _ وهنا لا أخوّن بل أفضل هذا المنهج _ فهذا أدعى إلى النظر بجديتها والتأكد من سلامة مقاصدها، وعلى هذا يشكر كل من ساهم في دفع الظلم وتقليص أثره.