أ.د. حمد بن ناصر الدخيِّل
رخصة القيادة:
بعد اقتناء السيارة لم أكن أجيد قيادتها إجادة تامة، فأكملتُ تدريبي عليها. وكان لا بد من الحصول على الرخصة التي تؤهلني نظامياً لقيادة السيارة، فتقدمت بطلب إلى إدارة مرور الأحساء، فأجري لي اختبار النظر، ثم اختبرت الاختبار الفني التجريبي يوم الخميس 1392/11/16هـ الموافق 1972/12/21م. ركب معي رجل مرور، ومهندس أشغلني بأسئلة ليرى مدى انصرافي عن القيادة، فلم ألتفت إليه، وعنيت بالقيادة، فاجتزت الاختبار، وتسلمت الرخصة بعد إنهاء الإجراءات الإدارية يوم الأحد 1392/11/19هـ الموافق 1972/12/24م، ومدتها عام قابلة للتجديد دون اختبار. أتذكر أن المهندس أمرني أن أصعد طلعة؛ ليرى مدى تحكمي في السيارة، وأربع عيون ترمقني من المرتبة الخلفية.
كلمة الأسبوع:
اعتاد معهد الأحساء العلمي أن يكلف أحد المدرسين بإلقاء كلمة الأسبوع يوم الخميس على الأساتذة والطلاب، تسمى بهذا الاسم. ألقيت كلمة عنوانها (ماذا نقرأ؟) يوم الخميس 1391/11/28هـ الموافق 1971/3/25م (كان الوقت ربيعاً).
في يوم الخميس 1392/11/9هـ الموافق 1972/12/14م ألقيتُ كلمة عنوانها (المؤرخون وتدوين التاريخ).
في يوم الخميس 1392/11/23هـ الموافق 1372/3/9هـ ألقيت كلمة عنوانها (اللغة العربية بين حماتها وخصومها). استفدت العنوان من كتاب أنور الجندي الذي يحمل هذا الاسم. وهو كتاب نادر قيم؛ ما زلت أحتفظ به.
حضور المفتشين:
في يوم السبت 1393/1/21هـ الموافق 1973/2/24م حضر إلى المعهد المفتشون:
1 ـ إبراهيم الدباسي مفتش المواد الدينية.
2 ـ عمر المرزوق العبد اللطيف مفتش مواد اللغة العربية.
3 ـ صالح الصالح المفتش الإداري.
وخرجت بهم بعد عصر يوم الأحد إلى أحد البساتين، وتناولنا الشاي والقهوة، واعتذروا عن الغداء، وغادروا الأحساء ظهر يوم الاثنين.
البيت الثالث:
في السنة الثالثة من إقامتي في الأحساء استأجرتُ بيتاً من أبي منصور سليمان الوهيبي، وهو من أسر القصيم التي نزحت إلى الأحساء، يقع البيت غرب المزروعية. ويوجد في هذا الحيّ عدد من الأسر من القصيم كالطريف الذين يملكون محطة بنزين بالقرب من المدرسة الثانوية. كان بدء الإيجار من يوم الخميس 1392/8/13هـ الموافق 1972/9/21م. ودفعت له 500 ريال والباقي 800 ريال دفعتها له فيما بعد. وخمسون ريالاً سعيًا؛ ليكون المبلغ 1350 ريالاً. كان عداد الكهرباء يشير إلى (2342).
إلى الدوحة:
في يوم الأحد 1393/5/16هـ الموافق 1973/1/17م سافرت بسيارتي الصغيرة إلى الدوحة عاصمة قطر، وبرفقتي رفيقة دربي، وابنتي الصغيرة وفاء المولودة في الساعة الثانية والنصف بعد العشاء مساء الاثنين 1391/6/3هـ الموافق 1971/7/26م، والمسافة بين الأحساء والدوحة تقدر بنحو 250 كيلاً، منها 150 كيلاً من الأحساء إلى سلوى، و100 كيل من مركز سلوى إلى الدوحة. خرجنا من الأحساء في الصباح المبكر، وحملنا معنا طعام الإفطار، وقبل بلوغ مركز سلوى الحدودي بين المملكة وقطر بمسافة نحو خمسين كيلاً اخترنا مكاناً مناسباً تناولنا فيه طعام الإفطار واحتساء بيالات الشاي. لا أنسى لذة ذلك الإفطار في ذلك المكان الصحراوي النزه. كنت أرى قواقع البحر منتشرة في المكان الذي حللنا فيه، مما يوحي بأنه كان مغموراً بالمياه في زمن سحيق. بلغنا مركز الحدود، وأهم ما لفت نظري عجرفة ذلك الموظف القطري الذي يعامل الآخرين بتيه، ويرى نفسه فوق الآخرين، مع أنه لا يعدو أن يكون موظفاً صغيراً، قذف به في مكان ناءٍ. بلغنا الدوحة، وسكنا في فندق الجمهورية الصومالية، ويقع في سرة المدينة التي كانت تتمخض لنهضة قادمة، دلنا على ذلك المباني السامقة التي لا تزال في طور الإنشاء، ورأيناها في طريقنا إلى البلدة القديمة، منها فندق شيراتون الضخم الذي سكنته بعد ذلك مع الدكتور الزميل محمد الربيع. كانت الدوحة بلدة صغيرة، تجولنا فيها بالسيارة في نحو ربع ساعة. مررنا بالسوق الشعبي والتجاري، وتجولت فيه فراعني أن اللهجة الهندية شائعة بين المتحدثين ربما أكثر من العربية. ولاحظت أن التجار القطريين يجيدونها ويتحدثون بها.
لم أجد في قطر ما يغريني بالبقاء؛ فعدنا إلى الأحساء صباح يوم الاثنين. كان ذلك اليوم مغبراً، وتهب ريح نشطة، وكانت الحالة الجوية مناسبة نوعاً ما لأن نسافر، ولم أعلم أن هذه بداية عاصفة رملية شديدة ستدفن سيارتنا بمسافة قليلة بعد أن انطلقنا من محطة البنزين التي ملأنا منه خزان السيارة بالوقود. لم أتصور أن تتحول العاصفة إلى نفود يغطي الطريق، وإلى رمل يحْجُبُ الرؤية؛ فلا أرى من معالمه شيئاً. كنت أقود السيارة بوحي الغريزة أكثر مما أقودها بالرؤية. امتلأت السيارة بالرمل على الرغم من أن النوافذ مغلقة. كنت أتوقع أن تصدمنا سيارة من الخلف أو أن نصدم سيارة أمامنا. أشعلت النور وإشارة التحذير، وبقينا نصارع أمواج الرمل بضع ساعات، على الرغم من أن المسافة بين الدوحة ومركز سلوى لا تتعدى مئة كيل. خفنا على الصغيرة؛ فجسمها الغض لا يحتمل شيئاً مما يحدث لنا ولسيارتنا. لما بلغنا مركز سلوى خف تدفق الرمل من فوقنا ومن أسفل منا، فوقفنا لا نكاد نصدق أننا نجونا من هول العاصفة التي لم أرَ مثلها حتى الآن. مكثنا مدة نلتقط أنفاسنا، ونريح أعصابنا المكدودة، ونحمد الله على أن نجانا من خطر رأينا معالمه رأي العين. لقد تصبب العرق من أجسامنا حتى نفد، لم تكن السيارة مكيفة. والنوافذ كانت مغلقة، والجو خانق في قيظ تموز، لا أكاد أصدق أن دهان السيارة (البويه) مسحته العاصفة من الأمام والجوانب. بدت مشوهة، وظهر اللون الأحمر بعد أن كان أبيض لامعاً. استأنفنا السير من سلوى إلى الأحساء، وبلغناها قبيل العصر أو بعده.
كانت الإجازة الصيفية قد بدأت قبل رحلتي إلى قطر بيوم، أي في يوم السبت 1393/5/15هـ الموافق 1973/6/16م.
استؤنفت الدراسة في المعاهد العلمية بعد انقضاء الإجازة الصيفية يوم السبت 1393/8/25هـ الموافق 1973/9/22م؛ فكانت مدة الإجازة ثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً.
أخبار متفرقة:
1ـ يسكن في المزروعية كثيرون من حاضرة نجد من المجمعة وسدير والقصيم.
2 ـ سميت المبرز بهذا الاسم؛ لأنها كانت مجتمع الحجاج الذين يقدمون من بلاد فارس والهند وأفغانستان وجنوب شرق آسيا قبل وسائل النقل الحديثة، ثم ينطلقون إلى مكة.
3 ـ في يوم الاثنين 1392/12/18هـ الموافق 1973/1/22م بدأت الدراسة في الكليات والمعاهد العلمية بعد إجازة عيد الحج وعيد الأضحى. وفي ظهر هذا اليوم توفي ليندون جونسون الرئيس الأمريكي بالسكتة القلبية وهو في مزرعته، خلف جون كندي بعد اغتياله، وكان نائباً له .
4 ـ في يوم السبت 1392/4/21هـ الموافق 1972/6/3م طلبت من الزميل عبدالعزيز البليهي ـ رحمه الله ـ أن يشتري كتاب الروض الأنف للسهيلي الأعمى لمحمد سرور زين العابدين، والشوقيات للشيخ حواس بن محمد الحواس مدير المعهد.
5 ـ أول رحلة قمت بها إلى مصر كانت في 1391/5/17هـ الموافق 1971/7/10م. وتحدثت عن هذه الرحلة في بحث (أحمد الشايب بيني وبين أحمد درويش).
في الأحساء أصبت بمرض الدوسنتاريا؛ فراجعت عيادة الطبيب وحيد الدين، وهو طبيب مصري قديم، كان يعمل قبل قدومه إلى الأحساء في مستوصف المجمعة قبل إنشاء المستشفى، وأذكر أنني راجعته في المستوصف وأنا طفل لعلاج يدي اليمنى من خرق بلف كنا نلعب به، نأخذه من لستك السيارة، ونملؤه بسقوة الكبريت، ونضع فيه مسماراً نضربه على الحجارة فيُحدث فرقعة، ويشعل ناراً خفيفة ودخاناً، ولا بد أن يسد طرفه الآخر حتى لا تخرج النار منه فتصيب اليد، وهو ما لم أفعله، فأصاب باطن يدي، ولا يزال أثره بائناً، فحين دخلت عيادته نظر إلى الجرح، وقال: اغسل يديك بالماء والصابون، فصب الماء على يديّ أحد المستخدمين وأنا جالس على الأرض خارج غرفة الطبيب، لم يكن هناك مغاسل لليدين، ثم وضع على اليد دواءً لم أستفد منه في تخفيف الألم واندمال الجرح، فبقيت مدة طويلة أعاني منه ألماً. راجعت هذا الطبيب في عيادته الواقعة في الشارع العام في الهفوف فأعطاني حبوب الأيميتين، وهو دواء قديم للدوسنتاريا، والفوادين كان يستعمل لعلاج البلهارسيا، والعلاجان يضعفان الجسم ويهدان القوة، ويشعر من يتناولهما باصفرار الدنيا أمام ناظريه، وخطر السقوط إذا وقف. فكنت أتناوله وأمارس التدريس فأشعر بالضعف ووهن الجسم، فأتحامل على نفسي، ولم أستفد من هذا العلاج، فراجعت طبيباً مصريّاً اسمه يوسف زهران، وتقع عيادته في الشارع العام أيضاً، مقابل عيادة الطبيب وحيد الدين، فكتب لي حبوب الفلاجيل Flagyl فكانت علاجاً ناجعاً لهذا المرض. وقال لي إن الإيميتين يجب أن يوضع في المتحف. والطبيب ينبغي له أن يطور معلوماته الطبية، ويكون متابعاً لأحدث الإنجازات الطبية، ولا ينطبق هذا الشرط على الأطباء، بل على كل صاحب تخصص في علم نظري وتطبيقي.