سعيد الدحية الزهراني
هل لايزال مفهوم السر كما كان بالسابق محصوراً بين شخصين؟ وهل نحن أمام عالم موازي واحد.. أم أننا بتنا أمام عوالم متعددة؟.. الواقع بفعل ما أفرزته بيئة الاتصال الإلكتروني يجيب عن هذين السؤالين بالنفي.. معللاً بتطبيقات وبرمجيات ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلتنا أمام حقيقة مفادها.. أن الكثير من المفاهيم المستقرة سابقاً لم تعد كما كانت عليه.. بل تحولت واكتست دلالات قد تكون مناقضة لدلالة الجذر الأصيل لها.. كتاب الأسرار.. الذي كان حبيس الأضلع في صدرين لا يتجاوزهما إلا إلى ثالث ومنه إلى عدد قليل آخر - وفي هذه الحالة يدخل ضمن إطار المشاع رغم محدودية من وصل إليهم - اليوم لم يعد كذلك بعد أن بتنا بطوعنا واختيارنا نصادق على أن نرحل أسرارنا وخصوصياتنا إلى سحابة ذكية معلقة في سماء الله يشاهدها خلقه كلهم في كل مكان.. يحدث هذا عندما نوافق على شروط الانضمام إلى هذا التطبيق أو ذاك لننعم بلذة المشاركة.. وأي مشاركة ؟! إنها مشاركة أسرارنا وخصوصياتنا تلك التي كنا نبالغ في اختيار أماكن حفظها وصونها.. وفي أسلم الحالات نحن حينما ننخرط في نادي المشاركة والتشارك الاجتماعية الكونية.. فنحن بطريقة أو بأخرى نكشف بأنفسنا في لحظة انفعال ما عن خفايانا وأسرارنا وخصوصياتنا تصريحاً أو تلميحاً.. في مفارقة تجعلنا نعيد التأمل في مفهوم السر الذي وجدنا عليه آباءنا.. وعلى الجانب المقابل.. وضمن سياق تأملات جوانب من منظومة التحولات التي أنتجتها البيئة الاتصالية الإلكترونية.. يبرز مفهوم العالم الموازي ضمن البيئة الافتراضية.. لنجد أننا أمام عوالم موازية وليس عالم واحد.. فبالنظر إلى سمات تطبيقات وبرمجيات ومواقع التواصل الاجتماعي ووسائط الاتصال الشخصي.. نجد أن كل واحد من هذه التطبيقات عالماً مستقلا بخصائصه وفئاته ومستخدميه.. وبمزاجه الثقافي وسياقه الاتصالي العالم.. في صورة أشبه ما تكون بالجزر المنفصلة عن بعضها البعض.. ما يتطلب مسؤولية أكثر عمقاً ودقة في حال تناولها بالبحث والدراسة.. وإعطاء النتائج والتوصيات في سياق التخطيط للتعامل معها.. وخصوصاً على مستوى الحكومات وصناع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والاتصالي التقني.. قائمة التأملات في البيئة الاتصالية الالكترونية وبالتالي إعادة النظر في الدلالات والمفاهيم تمتد وتتعدد.. وفي هذه الإلماحة جانب من الشواهد القابلة للنقاش والتداول.