ناصر الصِرامي
يصدم من هم خارج العمق السعودي التاريخي والإداري، عند محاولة فهمهم أو التعليق على التحولات الأخيرة في البلاد، بما في ذلك المحللون والمراقبون الغربيون، ومن يعتبرون أنفسهم عربياً معلقين سياسيين - مثلاً -، ذهولهم أو أصدمتهم تأتي من ضعف استيعابهم لعمق إدارة الحكم السعودي واستمراريته كما يفهمها أو أسّسها الملك عبد العزيز. وكما يوضحها ويضعها بصراحة غير مسبوقة تاريخياً في الحكم الملكي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. الملك السابع في الدولة السعودية الثالثة والمؤسس للدولة السعودية الرابعة الحديثة.
التحولات التاريخية في بيت الحكم السعودي واضحة وملهمة لمن يراقبون التفاصيل، وليس للعامة أو من يتابعون القصص المضللة أو المسلية، اليوم تظهر لنا التركيبة بصورة مختلفة تماماً، أو ربما هي الحقيقة كما بجب أن تعزز بوضوح، فالملك هو الملك، صاحب الملك، صاحب البيعة، يرتب شئون البلاد وإدارتها وحاضرها ومستقبلها. والسر السعودي الذي لا يفهمه أي محلل خارجي هو أنّ الملك الممسك بالحكم، ولا يمكن لأحد أن يتجاوز هذه القاعدة الأساسية. وأن أسس «البيعة» تبدأ وتستمر بالسمع والطاعة، داخل الأسرة الحاكمة، وفي عموم البلاد، وهو نظام الحكم المناسب اليوم، والذي يحفظ تماسكها واستقرارها واستمراريتها.
ما يحدث في السعودية اليوم جدير بهذا الاهتمام والمتابعة إقليمياً ودولياً بالطبع، وهو ظاهر اليوم بشكل مكثف عبر وسائل الإعلام والتواصل والنشر، والبث والمشاركة والتفاعل، بشكل لم يسبق لها مثيل بفضل التطبيقات الحديثة وقنوات الاتصال الجديدة، كما التفاعل. وتدفق المعلومات اللحظي والآني.
نتحدث عن سلسلة من الأوامر الملكية، ليس للأسبوع المنصرم وحسب، ولكن عن كل ما صدر لسنة مضت، وما قبلها منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم، ثم في النقلة التاريخية لتولي ابنه الأقرب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، ليكون التالي على خط الحكم وسلَّم العرش، فارضاً حضوره وإدارته وجدّيته ووعيه وحسن التدبير والتخطيط والرؤية. وهو الأقرب، لأنه ظل ملازماً لأبيه الملك، وتشرّب منه التاريخ والمعرفة والتصور السياسي والإداري منذ كان الملك سلمان أميراً للرياض التي حوّلها لتكون بين أكبر وأهم المدن والعواصم العالمية .. تصور ورؤية تشمل المنطقة والعالم.
السعودية اليوم تختلف عن السعودية بالأمس، لكنها بالتأكيد الاستمرار الأحدث لهذا التاريخ الحاكم للغد، والراسم لمستقبل تنميته وازدهاره. وفي نظام الحكم السعودي - الملكي - صاحب القرار والمسير للبلاد هو الملك، داخل الأسرة الحاكمة وفي طول البلاد وعرضها، وهو أيضاً من يملك «الأمر الملكي»، الذي يعتبر أعلى وأقوى أداة تنظيمية في المملكة العربية السعودية.
وفِي مرحلة تاريخية أو استثنائية وغير مسبوقة تأتي الأوامر الملكية مكثفة ومتواصلة ومتصلة، لإعادة ترتيب بيت الحكم السعودي مرة بعد مرة نحو مزيد من الثبات والدعم لكل مؤسسات الدولة. ومرة بعد مرة لإعادة التكوين وإصلاح جذري للجهاز الحكومي التنفيذي في قمة هرمه ومستويات تسلسله.
من الواضح أنّ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، والممسك بجدارة بأجهزة الدولة الاقتصادية والسياسية والأمنية يظهر قدرت استثنائية على العمل والإنجاز والتغير، بل والتصحيح العاجل في الجهاز التنفيذي الذي يتولى إدارته سياسياً وأمنياً واقتصادياً وتنموياً. ولا يتردد كما يظهر للعلن، عن التعديل والترقية والإعفاء والمحاسبة لكل من يمنحهم الثقة لإدارة هذا الجهاز أو شغل هذا المركز أو ذاك.
سعة ومرونة إدارية مبهرة وطاقة شابة للعمل والإنجاز والحضور، كما وتصحيح ما انحرف من اختيار لبعض الأفراد أو المسارات، بما يكفل تحقيق مستقبل مستقر وطويل من النماء والازدهار للمملكة العربية السعودية لعقود وأجيال طويلة قادمة بإذن الله.
ذلك ببساطة بعض ما يفسر هذا الدعم والارتباط الاستثنائي للسعوديين مع ولى العهد الجديد، وأن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، كما يردد السعوديون بكل أطيافهم، في تأكيد للبيعة التاريخية الفاصلة: «قدها ونمدها»..!