محمد سليمان العنقري
ورد في مبادرات وزارة الصحة زيادة أعداد الممارسين الصحيين المتدربين وتحسين تدريبهم إضافة إلى تأهيل 50 منشأة صحية لتصبح مستشفيات تعليمية معتمدة لكن لا يوجد خطة واضحة لرفع نسبة توطين المهن الصحية خصوصًا الأطباء ويبدو أن التنسيق غائب بين الوزارة والجامعات الحكومية ويفسر ذلك محدودية عدد الذين يدرسون بكليات الطب قياسًا بالاحتياج للإحلال وكذلك لتغطية النمو السنوي للطلب على الخدمة مع ارتفاع الطاقة الاستيعابية للكليات الصحية غير المستغلة.
وكنت قد كتبت مقالاً قبل أسبوعين عن «الاحتكار المهني بالتخصصات الصحية» وأن هذا الاستنتاج يتضح من خلال انخفاض نسبة الأطباء السعوديين قباسًا بالوافدين حيث تصل النسبة إلى 26 في المائة من إجمالي عدد الأطباء بالمملكة وإلى 32 في المائة من إجمالي الأطباء العاملين بوزارة الصحة وفق آخر كتاب احصائي للوزارة، لكن الإشكالية ليست من الجامعات فقط بانخفاض نسب القبول بالكليات الصحية البالغة عددها حاليًا 23 كلية بل بعدم وجود خطة واضحة لاحتياجات المملكة السنوية من القبول بكافة الكليات الصحية وهذا الدور لا يمكن أن يقوم به سوى وزارة الصحة لأنها هي من تعرف الاحتياج الفعلي لتوطين المهنة وفق مدة زمنية معقولة تصل إلى عشرة أعوام تشمل الإحلال وكذلك تغطية النمو السنوي الذي يبلغ بالمجمل نحو 3000 طبيب بينما نحتاج للإحلال نحو 10 آلاف طبيب سنويًا أما الدور الآخر وهو يرتبط بجهة لها علاقة بوزارة الصحة وهي هيئة التخصصات الصحية لكي يكون هناك خطة شاملة تدعم ارتفاع نسبة التوطين بكلفة التخصصات التي يصل نسبة السعوديين ببعضها إلى 10 في المائة فقط مثل استشاريي التخدير على سبيل المثال فنسبة الممارسين الصحيين السعوديين بكافة التخصصات الطبية والتمريض والمساندة في المملكة يبلغ 39 في المائة فقط من أصل 396 ألف يعملون بالقطاع الصحي.
إن غياب خطة إستراتيجية واضحة لتوطين المهن الصحية سيكون له اثر سلبي باستمرار ارتفاع تكاليف الخدمات الصحية حاليًا ومستقبلاً فنسبة الأطباء 2.5 في المائة تقريبًا لكل ألف نسمة وباستبعاد الوافدين فإنها نحو 0.6 في المائة طبيب سعودي لكل ألف نسمة وهذا ما يفسر تنامي ارتفاع أجور الأطباء لمعدلات عالية قياسًا بالدول المجاورة والعربية عمومًا وكذلك صعوبة الحصول على الخدمة لأن المعدل الصحي والجيد لرفع مستوى الخدمة وتلبية الطلب بوقت قياسي يتطلب أن تكون نسبة الأطباء تقارب 4 لكل ألف نسمة، فوزارة الصحة مطالبة بوضع خطة واضحة لتوطين المهن الصحية بالمملكة وليس فقط بمنشآتها فهي أكبر جهة مسؤولة عن القطاع الصحي ويأتي ذلك من خلال معرفة وحصر الاحتياج الحالي والمستقبلي لرفع نسب التوطين أخذًا بعين الاعتبار نمو الطلب السنوي بخلاف الإحلال وفق خطة ممنهجة تكون الزامية لكل جهة لها علاقة من خلال التنسيق مع كل الجامعات الحكومية بكافة المناطق لقبول أعداد وفق الاحتياج لتوطين المهن الصحية خلال عشرة أعوام وتستكمل خطواتها بزيادة مقاعد التدريب لتشمل كل خريج إضافة لخطة توجه الخريجين للتخصصات بحسب الاحتياج وتوفير كل السبل والإمكانات لتحقيق أعلى نسبة من أهداف الخطة.
حتى اللحظة لا يلمس وجود تنسيق حقيقي وخطة وطنية متكاملة لتوطين المهن الصحية بين الجهات المختصة إِذ يبلغ عدد الدارسين بكافة السنوات بكليات الطب البشري 16500 طالب وطالبة تقريبًا في 23 كلية وهو رقم قد نحتاج لتخريج عدد مقارب له سنويًا لتوطين المهنة خلال عقد من الزمان وهو ما يدلل على عدم كفاءة الاستثمار بهذه الصروح العلمية التي تكلف تشييدها وتجهيزها مليارات الريالات بسبب غياب التنسيق لمعرفة الاحتياج الوطني بين الصحة والجامعات ورفع معدلات القبول فيها.