خالد بن حمد المالك
الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر ظهر في خطابه مرتبكاً، وكأنه يقرأ مقاطع مرت بالتقطيع والتكسير، بلا رابط بينها، حيث التكرار، ومحاولة الهروب من المسؤولية، دون أن يضيف شيئاً على ما كان يتحدث به وزير خارجيته وإعلامه من سقطات، ما جعله وكأنه يزيد الحطب في النار المشتعلة، لا أن يحاول ولو بأسلوب دبلوماسي تهدئة الأزمة على أمل أن تتوفر معطيات جديدة لتمرير الحلول التي تجنب دول المنطقة نزوات وسلوكيات دولة قطر.
* *
تم الإعلان عن أن خطاباً مهماً سوف يوجهه الشيخ تميم إلى الأمة، وحدد اليوم والساعة والدقيقة، وانتظره الجميع بين متفائل ومتشائم، وبدأ التراشق (التغريدي) بين متهم للأمير ومدافع عنه، ولكن بإسفاف وأساليب جارحة بين الطرفين، وما أن بدأ الشيخ يلقي خطابه، حتى أسقط في أيدي المتفائلين، فقد ظهر واضحاً أن شيخ قطر يتجه نحو التصعيد، وإن حاول في نهاية الخطاب أن يبدي استعداده للحوار، وهو مطلب قطري رفض من قبل ما لم تستجب الدوحة للثلاثة عشر مطلباً سبق أن نقلها الوسيط الكويتي الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت للجانب القطري، وتم رفضها منهم.
* *
حاول أمير دولة قطر استرضاء المواطنين القطريين، وخصهم بالكثير من النصوص في أول ظهور له بعد الأزمة القطرية مع الدول الشقيقة، فقد قال عنهم بأنهم أذهلوا (العالم) بحفاظهم على المستوى الأخلاقي الراقي، وهنأهم على روح النبل والمحبة والألفة التي تسود ربوع قطر، وأنه تأثر بروح التضامن والتآلف والتحدي التي سادت، وقال أيضاً إن الشعب القطري جمع بين صلابة الموقف والشهامة التي تميز بها القطريون، وأنه أذهل العالم برقيه رغم التحريض والمساس بالمحرمات، وأن الستار الكثيف من الافتراءات والتحريض لم يربك رؤية الشعب القطري.
* *
وإذا كان الشعب القطري هو هكذا، فلماذا لم يعتمد عليه في حماية الدولة، ولماذا لا يثق أمير البلاد بإخلاصه فيمنحه شرف خدمة بلاده بدلاً من قاعدة أمريكية وأخرى تركية وثالثة إيرانية يتم التفاهم عليها حالياً، وإذا كانت هذه نظرة تميم إلى الشعب القطري، فكيف لهذا الشعب أن يثق بمصداقيته في كل هذا الغزل الكلامي وهو في خطابه يؤكد على أن كل من يقيم في قطر من غير القطريين أصبح ناطقاً باسم قطر، وهو ما يخالف ما يدعيه شيوخ قطر من حساسية في مس السيادة الوطنية، ويتعارض مع كل هذا المديح والثناء والإشادة لأهلنا وإخواننا الشعب القطري.
* *
ليت الشيخ تميم التزم الصمت، ولم يتحدث بما كان مضمون أول خطاب له عن الأزمة، فقد كان خطاباً هامشياً، وبلا مضمون، ومن دون رؤية تساعد على الحل، وافتقر إلى أي مقترح أو وجهة نظر جديدة بخلاف ما تكرره صباح مساء قناة الجزيرة، ويبدو أن هذا الخطاب قد أعد وكتب وتم تسجيله وتصويره من خلال هذه القناة التي ورطت النظام القطري بمثل هذه السقطات على مدى عشرين عاماً مضت، أي منذ انقلاب الولد على أبيه، وحتى بعد أن تنازل الوالد لابنه شكلياً عن كرسي الإمارة.
* *
لقد كنا نتمنى على أمير قطر وقد خلا خطابه من أي مبادرات لحل الأزمة القطرية أن يترفع عن بعض ما يشي بأنه تصعيد للخلاف، خاصة باستخدامه لبعض العبارات والجمل والمفردات التي لا تساعد على الحل، وإنما تزيد من صلابة الموقف لدى الدول الأربع، فقد اعتبر أن قطع العلاقات مع قطر عملية اعتداء على سيادة قطر، وأن الخطوات التي تلتها خططت سلفاً، وأن هذه الدول زرعت تصريحات لم تقل لتضليل الرأي العام ودول العالم، وكان صوت أبيه وصوت حمد بن جاسم محل إنكار وقد استمع إليها الرأي العام ودول العالم، وكأن التسجيلات الأخرى لا تدين قطر ونظامها بالتآمر والتحريض والإرهاب.
* *
ولا يكتفي الشيخ بما سبق، بل إنه لم يوفق حتى وهو يدافع عن الموقف القطري، بإلقاء خطاب يشير فيه إلى الوشاية والكذب باعتبارها من أسوأ الرذائل، بادعاء أن الدول الأربع في حملاتها ضد قطر، وأن قطر لن تقبل أي حل لهذه الأزمة، ما لم يشمل ضمان عدم العودة إلى ما أسماه بالأسلوب الانتقامي، وكأن هذه الدول هي من لها مصلحة في الحل، وليس قطر، وكأن هذه الدول هي أساس هذه الأزمة وليس دولة قطر، فعلى رسلك يا شيخنا، فإن هذه الدول لن تعيد علاقاتها معكم إلا باستجابتكم لشروطها والضمانات التي عليكم تقديمها.
* *
لقد تجنب أمير قطر أن يشير بالذكر لدور إيران في توجيه السياسة القطرية، وفي المباحثات التي يجريها مع الإيرانيين لإقامة قاعدة عسكرية ثالثة في البلاد، ربما لأنه يعرف أن أي إشارة لدولة إرهابية كإيران لا يخدم البكائيات والمظلومية واستدرار عواطف المواطنين القطريين، فتعمد إغفال أي إشارة لها، برغم ما هو معروف من دور مهم وفاعل لها في السياسة القطرية، بما في ذلك دخولها على خط الأزمة القطرية بالدعم والمساندة للموقف القطري ضد المملكة والإمارات والبحرين ومصر.
* *
وفي مقابل ذلك، فقد كان لتركيا نصيب من الثناء في خطابه المتلفز، وقد شكرها على ما قال إنه استجابة فورية منها لتلبية احتياجات السوق القطرية، لكنه تجنب في مقابل ذلك أي إشارة واضحة إلى القاعدة العسكرية لتركيا في دولة قطر، وإن كان قد لمح إلى ذلك بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون، وذلك على ما يبدو محاولة لتجنب غضب واستفزاز الشعب القطري، الذي بدأ يتململ من استمرار بيع قطر للدول على شكل قواعد عسكرية، أو للتنظيمات الإرهابية كالإخوان المسلمين للتحكم بمصير البلاد، غير أن الشيخ تميم لم يكن أمامه من خيار آخر في ظل وضع قطر وسياساتها التي جعلتها في هذا الموقف الصعب.
* *
حاول في خطابه أن يتحدث عن إجراءات وقرارات تمس اقتصاد البلاد، والاستثمار، والاستفادة من عوائد النفط والغاز بما يخدم البلاد، وكأنه يريد أن يقول للمواطنين إن الهدر المالي، واستخدام المال العام، والفوضى في الصرف، سوف تتم معالجتها، في محاولة أخرى منه لاسترضاء وكسب ود المواطنين، الذين بدأت أصواتهم تعلو كثيراً أمام التسيب في إدارة الدولة، وسيطرة غير القطريين على وارداتها، وتحكمهم بالقرارات المصيرية في جميع المؤسسات المهمة في الدولة.
* *
ليت الشيخ تميم آثر الصمت على أن يتكلم بمثل ما قاله في خطابه، إذ إن الخطاب بكلماته وآرائه ومضامينه، قد صعد من الأزمة، وأبعد المسافة عن وجود حل لها، وجعلنا ندرك أننا أمام دولة صغيرة مشاغبة ومتمردة وخارجة عن القانون، وأن خوفنا على الشعب القطري سوف يستمر، طالما بقيت بلاده معزولة ومنبوذة من مجتمعنا الخليجي، فمثل هذا الخطاب إنما هو مسمار في نعش الصلح مع قطر، ونهاية ما كنا ولا كان الشعب القطري ينتظرها أو يتمناها.
* *
ومع كل هذا، فلا زال هناك متسع من الوقت، ومزيد من التطورات التي ربما ساعدت في ظهور حلول لأزمة قطر، وفكها من أغلال المتآمرين عليها، وإعادتها إلى الصف الخليجي، دولة مسالمة ومتعاونة، لا تضمر شراً أو حقداً أو كراهية لأي من أشقائها.
* *
فمتى سيأتي القادم الأفضل لقطر، يبعدها عن هذا التخبط في سياساتها وتعاملاتها وعلاقاتها مع أشقائها، ومتى يعرف شيوخ قطر حجم الدولة القطرية وإمكاناتها، حتى يقتربوا من ممارسة التصرف الحكيم والعاقل، الذي يحول بين قطر وبين ما يدبر لها من ظلم وقهر وتعريض مصالحها للخطر، وإلى متى تبقى الأسئلة المحبة والمخلصة لقطر بلا جواب أو قراءة من الآمر الناهي في قطر، متى؟!..