عبدالعزيز السماري
يسود انطباع الحر الشديد والصيف المتلهب على بلادنا، برغم من تنوع أجوائها واختلاف درجة حرارتها من أقصى الشمال إلى أدني الجنوب، وهذا الانطباع لا يحتاج إلى براهين أو أدلة، ولكن من خلال نظرة سريعة على خطوط العرض سيتضح أن أغلب المناطق المزدحمة تقع قريباً من خط مدار السرطان.
لأسباب جيوسياسية ودينية تجمع السكان حول هذا الخط، وكان عاملاً لمعاناتهم الحالية من حرارة الصيف، ومن ارتفاع فواتير الكهرباء، ومن أجل إدراك ذلك، علينا مقارنة فواتير الكهرباء في جبال عسير وجيزان أو في الشمال الغربي مع المناطق التي تقع حول مدار السرطان، وحينها سنندرك تكلفة الحياة في هذا المدار.
بعد ظهور أزمات الطاقة وأسعارها أصبحت شركه الكهرباء المستفيد الأكبر من هذه التجمع الإنساني الكبير في هذه المناطق، ومع إرتفاع أسعار الطاقة أكثر، ستكون الرابح الأهم في هذا العصر، والسبب لهيب السرطان في المدن السعودية الكبرى، ولكن هل من طريقة لاحتواء تضخم السكان في هذه المناطق.. أو لتخفيف معاناتهم المادية من إرتفاع تكلفة العيش.
بعد المتغيرات الكبرى في الطاقة وأسعارها، سيكون الخاسر الأكبر هو المواطن الذي اضطر أو اختار أن يعيش في هذا المدار، ففواتير الكهرباء تصل في بعض المنازل إلى أرقام فلكية، ولا يوجد حل متاح ما عدا أن لا يستخدم مكيفات الهواء البارد، وهو خيار صعب جداً، وربما مستحيل.
يساهم في ذلك عدم تقدم شركة الكهرباء نحو مساعدة السكان في إنتاج الكهرباء من خلال ألواح الطاقة الشمسية بعد إقرار توظيف تقنية العداد الذكي في المنازل، والذي يحصر شراء الطاقة الكهربائية من الشركة وأيضاً يسمح ببيعها إذا زاد عن حاجة الساكن.
المدهش في الأمر أن دولاً عديدة أقل إمكانات وأقل مصادر للطاقة الشمسية استخدموا هذه التقنية التي تساعد السكان في توفير أموالهم والمساهمة في إنتاج الطاقة، ولا يوجد تفسير لهذا الغموض.
أصبحت شركة الكهرباء المستفيد الأول من ازدياد السكان في مناطق مدار السرطان، وتنتظر فترة الصيف لزيادة الدخل إلى أقصاه، وتعتبر الشركة خاسرة في مناطق الجنوب والشمال لقلة استخدمات الكهرباء في التكييف.
من المنطق أن لا تشجع شركة الكهرباء على إنتاج الطاقة الشمسية في المنازل، فهي في نهاية الأمر شركة مساهمة وتبحث عن الأرباح العالية، وعادة تقوم السلطات التشريعية بهذا الأمر، وذلك كإستراتيجية عليا للدولة، من أجل أولاً وقف إستنزاف الطاقة النفطية في الكهرباء، وثانياً كحق للمواطن في أن يتسفيد من مصادر الطاقة النظيفة من أجل بيئة أفضل و فواتير أقل.
الإشكالية أن الدولة تملك أكثر من 70 % من ملكية الشركة، وهو ما يجعل من قرار الشركة غير منفرد، وفي مقدور صاحب القرار أن يشرع لاستخدامات الطاقة الشمسية في المنازل ولحق بيعها إذا زادت عن حاجته إلى شركة الكهرباء.
الجدير بالذكر أن هذه التشريعات أصبحت تطبيقاً عالمياً، ودولة الأردن البعيدة عن مدار السرطان، أقرب بلاد لنا تم إقرار قوانين الطاقة المتجددة وتشريعات الطاقة فيها من قبل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء قبل خمسة أعوام.
حيث أصبح بالإمكان لأي مشترك أردني تركيب نظام توليد كهرباء باستخدام مصادر طاقة متجددة ثم ربطه مع شبكة الكهرباء بحيث ينتج جزءاً من -أو كل- احتياجه من الكهرباء وتصدير فائض الإنتاج للشبكة بحيث يحتسب له من خلال عددات كهربائية قادرة على احتساب صافي القياس.
في سريلانكا أيضاً صدرت مثل هذه التشريعات وفي كثير من دول العالم، وهم يعيشون في مدارات أقل تكلفة، في حين لا تجود تشريعات من هذا القبيل للذين يعيشون في مناطق تسقط عليها أشعة الشمس عمودية.
لا زالت تقنية العداد الذكي وتشريعات ترشيد الطاقة في بلادنا غائبة برغم من أن فيهما الحل الأمثل لأزمات البيئة ولاستهلاك الطاقة النفطية في غير محلها، والحل الأنفع لارتفاع فواتير الكهرباء الثقيلة الوزن على دخل المواطن، فلماذا التأخير في إقرارها يا معالي وزير الطاقة حفظه الله.