د. جاسر الحربش
كانت المفاجأة ضخمة ومزعجة. أصغر دولة في الكيان عملت طيلة عشرين سنة على تقويضه، والمفترض أنها هي أكثرهم حاجة إليه. ثلاثة أرباع حدودها مفتوحة على البحر المشاع، والربع الوحيد الباقي هو امتدادها الجغرافي وأمنها الديموغرافي. هناك سر في الموضوع، إما بوجود مغرور صغير يريد أن يشتري حجما ً أكبر ولو بخسارة محققة، أو أنّ أطرافا ً من خارج الكيان كله أطمعوه بتحقيق جنون العظمة فيه. هذا الاحتمال الأخير هو الأرجح، وهذه الأطراف الأجنبية بالذات هي التي تتسابق الآن لعرض وساطاتها للإصلاح، أي للتكسب عند كل الأطراف مهما كانت النتائج النهائية.
لأنّ المفاجأة كانت كبيرة جداً، دقت الطبول الإعلامية الرسمية والاجتهادات الشخصية من كل الجهات الأربع، فأصمّت الآذان ولم يسمع أحد من أحد. آن الأوان لتهدأ الطبول وللعمل بهدوء على إفشال مهمة التخريب على المخططين وعلى المتعهد بالتنفيذ.
ثلاثة أوضاع عقّدت الوصول إلى الحل ويجب التعامل معها بعقلانية للحاضر والمستقبل. أولاً: الصبر الطويل على الخلافات داخل دوائر الحكومات الخليجية التي كانت تعرف ما تحت الطاولات والكراسي وما فوقها، لكنها أخفتها عن الشعوب. ثانياً: عدم المبادرة بقطع الطريق على تجميع وتمكين أدوات التنفيذ في الدوحة حتى انفتحت أرصدتهم وأوداجهم. ثالثاً: خطأ قبول الاحتكام في تحديد الخطأ والصواب إلى أطراف أجنبية، بينما هي بالتأكيد أول المستفيدين من هدم الكيان الخليجي على رؤوس أهله، ولا أستثني من هذه الأطراف أي واحد.
فشلت الحكومات في تنفيس الأبخرة التي كانت تتجمع داخل أروقتها الرسمية منذ ربع قرن، بعيدا ً عن إشراك الشعوب في معرفة الحقائق، الآن يجب أن ينتهي هذا الاحتكار المعلوماتي لئلا تؤخذ الشعوب على حين غرة مرة أخرى.
الأمر الثاني أي عدم المبادرة بقطع الطريق على المتآمرين قبل تجمعهم في الدوحة تحول إلى المهدد الأكبر لأمن المنطقة وإلى المرتكز الأساس لعناد ومكابرة حكومة الدوحة. معارضون جمعوا عبر عشرين سنة شعبية واسعة بسبب غياب الحقائق عن الجماهير، وحسابات بنكية ضخمة تكومت في مصارف العالم، وانتشار حركي مسلح في كل العالم الإسلامي وغير الإسلامي، بالإضافة إلى مكينة إعلامية جبارة تغطي الكرة الأرضية من العاصمة القطرية.
الوضع الآن يحتاج إلى تفكيك هذه الشبكات المتداخلة بعقل بارد يعمل بالحقائق والوثائق والأرقام. أما مسألة الاحتكام إلى الأطراف الأجنبية في مسألة تخص أمن الخليج العربي، فهي تشبه احتكام الرعاة في تناطح أكباشهم إلى الذئاب.
أعتقد أنّ ما عمل حتى الآن وبدون نتائج ملموسة سوف يفرض الانتقال إلى التالي :
رسمياً سوف يهدأ الضجيج الإعلامي وسياسياً سوف تتوقف رحلات المسؤولين الخليجيين المكوكية إلى عواصم وبرلمانات وفضائيات العالم. جماهيرياً سوف تحترق أوراق المؤامرة في الدوحة نتيجة للإفلاس السياسي وفداحة الخسائر الاقتصادية واقتناع القطريين بخبث الجريمة وخطورة النتائج.