م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
محزن حال هؤلاء الذين لا يدرون ولا يدرون أنهم لا يدرون.. فهم في غيهم عامهون.. وهم في ذلك لا يستحون.. وكيف لهم أن يستحوا وهم لا يدرون؟.
الذي لا يدري أنه لا يدري يمد رجليه ويمد لسانه.. ثم يمد كل أطرافه.. وهو يعطي أحكاماً قطعية يقينية في كل شؤون الدنيا وكل شؤون الآخرة.. وكل شؤون الآخرين.
المشكلة في هؤلاء أنهم كثيرون.. فهم في كل بيت وفي كل عائلة وكل مجتمع.. ولا بد أن تكون قد عثرت بأحدهم في مجلس أو مكتب أو طريق.. حينها ليس أمامك إلا أن تعتبره مجرد كرسي غير مريح في مجلس.. أو إجراء روتيني مزعج في مكتب.. أو مطب صناعي في طريق.. وهذا يمكن احتماله على مضض.. لكن المشكلة كما قلت إنهم كثيرون.. الأمر الذي جعلهم مصدر كدر دائم.. تماماً كما كدر الإرهابيون صفو حياتنا بالتوتر والخوف والترقب.. وكدروا صفو يومنا بالصبات الأسمنتية ونقاط التفتيش والإجراءات الأمنية.. فإذا كان الإرهابي يستهدف المجتمع بكليته.. فهؤلاء يستهدفون المجتمع فرداً فرداً.. ويتركون في نفس كل من لاقاهم ندوباً قد لا تكون غائرة لكنها مزعجة.
الواحد منهم يمكن أن يُنظِّر دون أن يرف له جفن في أية مسألة.. قديمة أو حديثة.. أدبية أو علمية.. فنية أو رياضية.. دينية أو دنيوية.. تخصه شخصياً أو تخص غيره.. فهو يرى في نفسه القدرة والمعرفة والفهم.. كما يرى أن له الحق في أن يكون له في كل قول رأياً وفي كل بئر دلواً وفي كل قرار نقداً.. وفي كل شأن نظراً.. وهو على يقين من أنه لا يقل علماً ودراية عن الخبراء العارفين.. فهُمْ رجال وهو رجل.. لكنه لا يدري أنه لا يملك شيئاً مما يملكون سوى كونه ذكراً.
ليس ذلك وحسب بل إنه يرى في جهله عزة.. وفي تعصبه شرفاً.. وفي تقليديته تمسكاً بالأصول.. وفي نقده علواً.. وفي انعزاليته تحقيراً للآخرين.. وفي تجمده التزاماً بالمواقف وعدم الحيد عن الحق الذي يراه.. رغم أنه لا يدري.. وأنِّى له أن يدري.
هذه النماذج من البشر في عيش دائم التوتر.. دائم الانزعاج.. دائم التذمر والضجر والتشاؤم.. تغلي أحاسيس التوجس في نفوسهم.. وتكوي أحشاءهم وتشغل عقولهم حتى أفقدتهم صوابهم.. ونتج عن ذلك احمرار عيونهم.. واضطراب أنفاسهم.. وتشنج أعصابهم.. وسرعة كلامهم.. وكثرة ردات فعلهم النزقة.. وبالتالي كثرت سقطاتهم.