خالد بن حمد المالك
هناك من يملك قدراً كبيراً من التفاؤل في أن الأزمة القطرية إلى زوال، وأنه لم يعد هناك كثير من الوقت قبل أن تستجيب الدولة القطرية لشروط وطلبات الدول الأربع، فقد عانت الدوحة من العزلة على مدى أكثر من شهر، ما جعل المواطن القطري يتململ، ويضغط على شيوخه باتجاه إخراج البلاد من هذه الأزمة الخانقة اقتصادياً، ما جعل المتفائلون يتحدثون عن حل قريب يعتمد على استجابة قطر لما طُلب منها.
* *
فما تفعله الدولة القطرية عمل تنكره كل القوانين والأعراف الدولية، ولا تسمح به الأخوة والتقاليد الخليجية والعربية والإسلامية، وهو بكل المقاييس يُفسَّر ويُنظَر إليه على أنه جريمة حرب موجهة ضد استقرار دولنا، ومصالحنا، وأمننا الذي لا مساومة عليه، وليس من حل له إلا بتحقيق ما يؤمن سلامة أراضينا وشعوبنا، ويمنع أي عدوان تحت أي ذريعة ولأي سبب، وإلاّ بدون تحقيق ذلك، فإن المشكلة ستظل تراوح في مكانها، دون أدنى حلول ترضي الدول المتضررة من المواقف المتهورة لدولة قطر.
* *
إنه لشيء غريب أن تتجاهل قطر كل النداءات والحلول الواقعية لأزمتها مع أشقائها، بينما هي تأخذ بالنصائح والآراء التي يكون مصدرها عدوها وعدونا، وأن تتجاهل كل مقترح يفضي إلى حل عادل يحقق مصلحة الجميع، وإذا بنا نجدها ترحب بما قد يكون المسمار الأخير في نعشها، دون أن تستفيد من الدروس والعبر والنتائج التي مرت بها منذ قطع العلاقات معها وحتى الآن.
* *
ربما نظر البعض إلى المرسوم الذي أصدره الشيخ تميم بن حمد أمير قطر، ويقضي بتعديل بعض أحكام القانون المعمول به بالدولة في شأن مكافحة الارهاب، متضمناً تعريف الإرهابيين، والجرائم والأعمال والكيانات الإرهابية، وتجميد الأموال، وتمويل الإرهاب، واستحداث نظام القائمتين الوطنيتين للأفراد والكيانات الإرهابية، على أن ذلك ربما يكون مؤشراً على تجاوب قطر لمطالب الدول التي تتهمها بالارهاب، أو تراجعاً في سياساتها المعروفة بدعم وتمويل وإيواء الإرهابيين، مع أننا كنا نتمنى أن تكون هذه التوقعات أو الاستنتاجات صحيحة، إلا أننا لا نرى في ذلك إلا محاولة من قطر للهروب من الاتهامات الموثقة عليها في دعمها للارهاب، بدليل خطاب أمير قطر الصادم.
* *
وكانت قطر قبل أيام من هذا المرسوم، قد سارعت إلى توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية يقضي أيضاً بتفاصيل أخرى لمحاربة الإرهاب، وكل هذه الخطوات القطرية لا تعني شيئاً لمن يعرف التوجهات القطرية في دعمها للإرهاب والإرهابيين، وأن مثل هذه الخطوات إنما قصدت منها الدوحة إظهار براءتها أمام تزايد الاتهامات لها بدعم الارهاب، وتوالي ظهور الوثائق والمستندات التي لا تستطيع قطر أن تواجه الدول الأربع والعالم بمثل هذا المرسوم أو تلك الاتفاقية، وأخيراً بخطاب الشيخ تميم.
* *
إبراء الذمة مما نُسِب إلى قطر من تدخل في شؤون الدول، وتحريض الشعوب، وتشجيع العمليات الإرهابية لا يتحقق بالكلام، ولا يأتي بالمراسيم، ولن يكون باتفاق يوقع مع هذه الدولة، أو تلك، ولا بخطاب بلا مضمون من أمير البلاد، وإنما بالالتزام بالضوابط التي تحارب الإرهاب، والاعتراف بما قد يكون قد حدث من قبل، والتكفير عنه بقبول طلبات الدول المتضررة، وإعطاء الضمانات المؤكدة بعدم تكرار مثل هذه الممارسات العدوانية، وما عدا ذلك، فإن وضع قطر سيراوح في مكانه، دون أي تغيير، ولن يفيدها دعم القوى الأجنبية، أو الإعلام الموبوء.
* *
قضية الدول الأربع مع قطر ومطالبها وشروطها لا تمس سيادتها الوطنية، وليس فيها ما يمكن فهمه على أنه تدخل في شؤونها الداخلية، كما يدَّعي الشيخ تميم في خطابه الذي خلا من أي توجه نحو الحل، إنه باختصار شديد إجراء لمنعها هي من التدخل في شؤون هذه الدول، وإيقاف تمويلها ودعمها للعمليات الإرهابية في هذه الدول أيضاً، والكف عن أي تصرف أحمق تقصد به قطر التحريض أو التخطيط لمؤامرات على شاكلة ما هو مسجل بصوت شيوخ قطر ضد المملكة والإمارات، فضلاً عن استخدام قناة الجزيرة وتوظيف المال للتغرير بالناس لإثارة الفوضى والقتل بدم بارد في مصر والبحرين وغيرهما من الدول.
* *
ما يهمنا هو أن تبقى قطر دولة مستقلة وآمنة ولا يتدخل أي أحد بشأن من شؤونها الداخلية، وأن تتمتع بسيادتها الوطنية كاملة، وأن تجد من جيرانها وأشقائها ما يحقق لها ذلك بشكل كامل وغير منقوص، غير أن هذا يستحيل أن يتحقق لها، بينما هي تتآمر على أشقائها، تحرض المواطنين، تخطط لتقسيم الدول، والانقلاب على الحكام، أو ممارسة الإرهاب ضد الجميع، ولهذا آن لها أن تفكر جيداً بخطورة عبثها بأمن المنطقة، وتآمرها على غيرها، وأن ما كان محل تسامح وغض طرف عنه في الماضي لن يكون الآن ولا في المستقبل، وعلى أمير قطر أن يفكر بغير ما قاله في خطابه.
* *
نعم، هي أدركت ذلك، ولوحظ لتبرئة نفسها أن ممارساتها العدوانية قد هدأت قليلاً في ليبيا ومصر وغير هاتين الدولتين، لأنها أصبحت تحت المجهر، وأفعالها تحت المراقبة، لكن ما نطالب به أن يتوقف الإرهاب القطري تماماً، ولا يعود إلى الساحة مرة أخرى، وهنا، لن تكون هناك حاجة إلى طلبات وشروط وضمانات، فقطر تكون بذلك قد دخلت في تحالفات مع الدول المحبة للسلام والأمن والاستقرار كالمملكة والامارات والبحرين ومصر وغيرها.
* *
لا أدري بماذا وكيف يفكر شيوخ قطر أمام هذا الوضع الذي تمر به الإمارة الصغيرة، وقد أظهرت الأحداث والتطورات صعوبة أن تصمد قطر وتواجه، كل هذه التهم الكبيرة، فقط لأن لديها مالاً وإعلاماً، وكلاهما لا يساويان شيئاً، وقد وثق عليها هذه الممارسات العدوانية، ما جعل من قطع العلاقات معها يحدث كل هذا التأثير القوي الذي لا حيلة لقطر في تجاوزه أو تجنبه، أو حتى الادعاء بأن ليس له أي مفعول في حركة الحياة في قطر كما ذكر ذلك الشيخ تميم في خطابه.
* *
ومن المؤكد أن قطر قد اكتشفت أنها كانت مخدوعة بما كانت تقوم به من أدوار مشبوهة، وأنها لم تقدر حجم الضرر الذي سيلحق بها ذات يوم، معتمدة على إحجام دول مجلس التعاون عن إثارة أي خلاف غير أنها الآن أدركت أن للصمت حدوداً، فقد أذن الحكيم لغضبته أن تصل إلى من لم يتقيها في الوقت المناسب، فكان هذا الحسم للعلاقة مع قطر، اتقاءًً لشرها وعدوانها وتآمرها وإرهابها وتحريضها.
* *
لقد صدمنا خطاب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، في أول ظهور له بعد أزمة بلاده مع الدول الشقيقة، فبدلاً من أن يعلن عن استجابته للشروط التي تعيد العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع الدوحة، فقد ذهب إلى أكثر من رفضها، بأن أعلن عن شروط قطرية لإعادة علاقة بلاده بالدول التي قطعت علاقاتها بقطر، واشترطت لإعادتها الاستجابة بتنفيذ الدولة القطرية الطلبات الثلاثة عشر التي تمثل ما تم رصده من تجاوزات قطرية تمس أمن هذه الدول، وتحرض على الإرهاب فيها.
* *
كنا نتوقع من أمير قطر أن يظهر حسن النية بأشقائه، ويتفهم الأسباب التي دعتهم لأخذ هذا الموقف من قطر، واعتقدنا أنه أخذ ما يكفي من الوقت للتأكد من أن السياسة القطرية لا تخدم حسن الجوار، واحترام العلاقات الثنائية، فإذا بنا أمام خطاب لا يعبّر إلا عن مزيد من العناد، والتشبث بالمواقف القطرية التي تسيء إلى استقرار دول المنطقة، ما يجعل من الأزمة مستمرة وتتصاعد، طالما أن أمير قطر يؤمن بهذه الأفكار التي حملها خطابه، لأن الدول المتضررة من السياسة القطرية لن تقبل بأقل من التزام وموافقة الدوحة على شروطها، مع الضمانات المناسبة للتأكد من إلزامية التطبيق.