عبدالعزيز السماري
أرتبط وجدانياً بالجريدة التقليدية الورقية، أو بتلك الصفحات التي أتصفحها كل صباح بحثاً عن موضوع يشبع رغباتي في القراءة والتفكير، لكن تلك الجريدة التي طالما أحببتها في ثوبها التقليدي بدأت في الأفول، فالثورة الرقمية تُحدث الآن فجوة كبرى بين الأجيال، وتقود العالم إلى زمن آخر.
تلوح في الأفق العالمي أزمة تراجع الصحف اليومية وربما انحسارها، حيث تواجه الصناعة التقليدية في النشر انخفاضاً حاداً لأسعار الصحف، وانخفاضاً أكبر لمبيعات الإعلانات، مما أدى إلى فقدان الكثير من الإعلانات وامتيازات النشر والتوزيع.
في السنوات الأخيرة ارتفع عدد الصحف المقرر إغلاقها نتيجة لخطر الإفلاس، خاصة في الولايات المتحدة، حيث حدث بالفعل إلغاء لصحف يومية عديدة، وذلك لتراكم الخسائر، بسبب انخفاض الإيرادات وارتفاع التكاليف، ولاحتدام المنافسة من مختلف وسائل الإعلام على الإنترنت مما أدى إلى تقلص الناشرين بالطباعة القديمة.
أصبح النقاش أكثر إلحاحاً في الآونة الأخيرة، وأحد هذه القضايا هو ما إذا كانت صناعة الصحف تتعرض لمرحلة مؤقتة وستتعافى، أو إذا كانت التكنولوجيا الجديدة قد جعلت الصحف عفا عليها الزمن في شكلها التقليدي.
الجريدة الأشهر نيويورك تايمز تمر بتقليص مستمر لحجمها منذ عدة سنوات، نظراً لانخفاض مبيعاتها بشكل مطرد بسبب ارتفاع وسائل الإعلام ووسائل الإعلام الاجتماعية عبر الإنترنت
من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل هذا الركود، لابد أن تنجح الصحف في الجمع بين خيارات عديدة، ومن أهمها الخروج بأفكار جديدة لتقديم نفسها على صفحات الإنترنت بشكل غير تقليدي، وذلك عبر إحداث تفاعل أكثر فعالية وجودة مع الخبر أو الحدث.
لا بد أن يكون التفكير مختلفاً ومبتكراً في هذا الاتجاه، ومنها أن يؤمنوا أولاً أن النشر التقليدي انتهى عهده، ولن يعود إلى الماضي، ومن ثم الاستعداد للانتقال إلى مرحلة جديدة، ولتكن خطوات الحل بالمحافظة على الكفاءات الجيدة في الجريدة.
الحل القادم لا يمكن أن يخرج من تطوير التواصل من خلال مواقع أكثر إتقاناً وحراكاً، فالمؤسسة لا بد من أن تخرج من وسائل التواصل التقليدي إلى غير التقليدي، ومنها أن يكون موقعها على الإنترنت مبتكراً، وأكثر تفاعلاً مع الأحداث العالمية والمحلية.
كذلك أن تتطور المؤسسة الإعلامية في إستراتيجية الإعلان التقليدي إلى إنشاء منصات للتجارة الإلكترونية التي تستضيف آلاف الإعلانات التي تقدم بضاعتها من خلال الموقع مع إضافة بعض الامتيازات.
الشيء الآخر المقترح يكون في مهمة تطوير الإعلان ليكون تفاعلياً، ويكون في القدرة على البحث داخل الإعلانات المجمعة في مواقع التجارة الإليكترونية التابعة لها، وأن توظف المؤسسة الإعلامية قدرات تقنية ماهرة جداً، ويكون لديها القدرة على تطوير تقنية الإعلان ليكون أكثر إثارة ووضحاً من مجرد صورة عابرة.
الشيء الآخر هو التوقف عن ملاحقة الأخبار الطارئة، فالجريدة لا يمكن أن تنافس المحطات التلفزيونية في نشر الأخبار العاجلة، والناس يقرؤون الطبعة الأولى كل صباح، لأنهم يبحثون عن التغطية الثاقبة والتحرير المتقن، والقدرة على تقديم الموضوعات، خصوصاً تلك التي لا يمكن أن تُعالج على شاشة التلفزيون، وفي نفس الوقت تقدم الموضوعية والأفكار الإيجابية.
من أهم مكاسب الجريدة التقليدية هو صناعة كتّاب مستمرين لقرائها خلال السنوات الماضية، وتحديهم القادم مع النشر الفوضوي، في أن يكون لديهم القدرة على تناول الأفكار بصورة موضوعية لكن غير تقليدية، فالكتابة فن وقدرة على النظر من خلال زوايا متعددة.
في نهاية الأمر لن تتوقف عاصفة التغيير عند الحدود، فالطرق التقليدية ستخسر كذلك محلياً، ولابد من الاستعداد والتفكير سريعاً للانتقال إلى المراحل الجديدة، وفي نفس الوقت أن تحافظ الجريدة قدر الإمكان على رسالتها الأساسية في مهمة تقديم الرصانة والحكمة والاتزان كمنتجات ثقافية مؤثرة.