د. فهد صالح عبدالله السلطان
تحدثنا في أكثر من مقال سابق عن أن هناك تحولات جذرية وخطيرة في ميدان الأعمال، وتمت الإشارة إلى وجود دلائل ومؤشرات تفيد بأن القطاع الإنتاجي والخدمي لدينا سيواجه تحديات متعددة وأن من الحكمة والعقلانية أن يتم التسليم بذلك من قبل الحكومة حتى تقوم باتخاذ الإجراءات الكفيلة لمواجهة المستجدات، والتسليم بذلك أيضاً من قبل القطاع الخاص لأخذ العدة والاستعداد وصياغة إستراتيجية التحول والمواجهة بما في ذلك إعادة الهيكلة ومراجعة خطط العمل الإستراتيجية والتشغيلية.
ولأن تحديات المرحلة اتخذت شكلاً جديداً وخصوصاً في ظل التقدم التقني السريع والتجارة الإلكترونية أو ما يمكن تسميته بتجارة واقتصاد الفضاء. ولأنها تحديات ومستجدات غير مسبوقة فإن إستراتيجيات وأساليب التعايش معها يجب أن تكون هي الأخرى جديدة وغير تقليدية.
ولذا فقد حظيت إستراتيجية الإبداع والابتكار بنصيب كبير من التأييد من بين الإستراتيجيات المطروحة.
العالم يمر بتحول خطير جداً في أساسيات ومبادئ وسياسات الإنتاج وتقديم الخدمات والتسويق والبيع.. (تم استعراض بعضاً من نتائج تلك التحولات في مقال سابق بعنوان: تحولات خطيرة في ميدان الأعمال.. هل قرأناها جيداً؟)لم يعد خافياً على أحد أن عمليات الإنتاج وأساليب تسويق وبيع المنتجات تغيَّرت بشكل جذري وأن أسلوب تقديم الخدمات وإيصالها سواءً من الحكومات أو من القطاع الأهلي هو الآخر تغيّر جذرياً. لقد تغيّر أسلوب الأداء في معظم إن لم يكن كل القطاعات الخدمية وأدى ذلك التحول الجذري إلى أن بدأت الكيانات الخدمية والإنتاجية تقلِّص خدماتها وتغلق فروعها الواحد تلو الآخر. والمتتبع لأثر هذه التحولات يلاحظ أن خطورتها تكمن فيما يُعرف علمياً بـ (Systemic risk ) أو تمدد وانتشار المخاطر. وهو تحول خطير وغير مسبوق سوف يؤثِّر بشكل كبير على الاقتصاديات المحلية سلباً أو إيجاباً. ولكن أثره سيعتمد على مستوى قدرة تلك الاقتصاديات على فهم التحولات وتغيير وتطوير وتكييف آليات الأداء لديها وفقاً للغة العصر ومتطلباته.
وحقيقة، فإنه على الرغم من أن القطاع الإنتاجي والخدمي على المستوى العالمي يواجه تحديات جديدة إلا أن هناك أكثر من مخرج ووسيلة لمساعدة القياديين في تحويل تلك التحديات إلى فرص. تضمنت الحلول المطروحة على الساحة العالمية عدة بدائل من أهمها:إعادة صياغة إستراتيجيات العمل بشكل جذري) غير تقليدي) يتناسب مع مستجدات الفترة، إعادة الهيكلة، إعادة هندسة نظم العمل، التركيز على الأعمال الإبداعية والخروج عن المألوف وعن النمط التقليدي في العمل، وترشيد النفقات .... إلخ. في كتابه عن شركة فيدكس: قصة نجاح، الذي روى فيه مسيرة عمله في الشركة لأكثر من ثلاثين عاماً وبعد لقاءاته مع مدراء عدد من الشركات الرائدة توصل مادان بيرلا إلى أن الابتكار والإبداع هما المحرك الرئيس والأساس للنجاح والتفوق في العصر الحديث.
وفي مقال علمي حديث طرح البروفيسور ارفايندمولهوترا أستاذ الإستراتيجيات في كلية الإدارة في جامعة UNC ست إستراتيجيات لتعزيز الإبداع، ربما لا يتسع المقال لطرحها ولكنها جديرة بالدراسة والبحث.
لا أريد أن أكون متشائماً ولكن في المقابل يجب أن لا نقلِّل من خطورة التطورات الاقتصادية الحالية. وبالتالي فإننا حكومةً وقطاعاً خاصاً مطالبون بالتوقف مع النفس عاجلاً وقراءة مستجدات المرحلة قراءة جيدة وموضوعية ومن ثم صياغة سياساتنا الاقتصادية على المستوى الكلي وإستراتيجياتنا على المستوى القطاعي وفقاً لذلك. ربما يتطلب الأمر طرح حلول إبداعية وغير تقليدية للتعايش مع التحديات، بل وتحويلها إلى فرص كما تم طرحه سابقاً.
عامل الوقت مهم والتأخر في قراءة التحولات العالمية وصياغة مسارنا تجاهها له تكلفة باهظة. فهل نعي ذلك! اللهم هل بلغت؟!