د. حمزة السالم
سجون أمريكا، بلاد العلم والتطور، أكثر من جامعاتها وكلياتها. فعلى أرض الحرية شُيد أكثر من ثلاثة آلاف سجن، تُنتهك فيها حريات وكرامات أكثر من مليونين ونصف مليون، فسجون أمريكا ما زالت تعيش ثقافة القرون الوسطى المظلمة.
أمريكا قد اعتادت التفوق بمراحل على العالم في كل شيء تقريباً. ولهذا فهي تحتضن ربع مساجين العالم المُدانين بجريمة، رغم أنّ سكان أمريكا، لا يتجاوز 5% من سكان العالم. فقد فاقت أمريكا العالم في عدد مساجينها تفوقاً ساحقاً. فمساجين أمريكا يزيدون بنصف مليون سجين عن مساجين الصين رغم أن سكان الصين أربعة أضعاف سكان أمريكا. وتفوقت على روسيا بأكثر من مليون ونصف مليون سجين، وتجاوز مساجينُ الأمريكان مساجينَ الهند بقرابة المليونين. وبلغت نسبة مساجين أمريكا لنسبة السكان، خمسة أضعاف النسبة في بلادنا، وسبعة أضعاف النسبة في الصين. فكل مائة ألف من سكان الصين، هناك 120 سجيناً، مقابل 666سجيناً في أمريكا و433 في روسيا و33 في الهند، بينما تتقدم بريطانيا البلاد الأوربية الغربية في ارتفاع نسبة المساجين، ففي كل مائة ألف من السكان هناك 148 سجيناً (وهذه المقارنات حسب دراسة معهد بحوث سياسة الإجرام (ICPR).
وأكثر من نصف جرائم المساجين الأمريكان مروعة. فهي بين قتل واغتصاب وسطو مسلح. يُعدم منهم فقط ما يقارب بالمتوسط خمسين سنوياً، شنقاً وصعقاً بالكهرباء وشللاً بالإبر القاتلة، بينما يقضى الباقي عقوداً من أعمارهم في السجون إن لم يقض عمره جميعه في تلك السجون المريعة. وأما النصف الثاني من المساجين، فهم بين لص ومخادع ومزور وتاجر مخدرات أو حاملها، وسائق سكران وحامل سلاح بلا ترخيص ومتهجم على عرض أو خصوصية.
ويشكل المهاجرين غير النظاميين من ربع إلى ثلث مجرمي أمريكا، رغم أن عددهم لا يتجاوز 3.5 % من السكان. كما يشكل السود وذوو الأصول الإسبانية أكثر من نصف المساجين، رغم أنهم لا يشكلون ربع سكان أمريكا، فما تبقى إلا السدس.
وعن جريدة وول ستريت الشهيرة جاء الخبر في 18 أغسطس 2014: بأنه خلال العشرين عاماً الماضية قامت السلطات باعتقال 250 مليوناً (ربع مليار) شخص، وخلف لديها 77 مليون اسم في ملفاتها.
وقالت بي سي نيوز: إن في السجون الأمريكية ملفاً لأمريكي واحد مقابل 31 أمريكياً. أي أن ما بين كل ثلاثين أمريكياً هناك أمريكي دخل السجن أو وجب دخوله لكن استبدل بأعمال اجتماعية وفترة مراقبة معينة.
كما نقلت السي إن إس أن هناك 68 مليون أمريكي له ملف أجرامي.
فلمَ لا يتذمر الأمريكان من ارتفاع نسبة السجن عندهم ومن حالة السجون. ولمَ لا نراهم يتذمرون من انتهاك حرياتهم رغم أنّ واحداً من كل خمسة له ملف إجرامي، وإن لم يحكم عليه شيء. وإن كل ثلاثين منهم قد أدين واحد، فأدخل السجن أو استبدلت العقوبة بعقوبة خارج السجن؟
الجواب في أمرين .. الأول هو ثقة المواطن الأمريكي في القضاء الأمريكي. والثاني أنه علم بأن النظام موضوع لحماية المجتمع وحريات الأفراد، وأدرك أن القانون فوق الجميع، ثابت معلوم لا يتغير ويتبدل بتأويل متأول ولا باجتهاد مجتهد.