خالد بن حمد المالك
كلما قلنا لم يبق من جديد في فضائح قطر، وأن لا زيادة على ما كان قد أعلن عنه، صُدِمنا بأن سلسلة المواقف القطرية الداعمة والممولة للإرهاب والتطرف تتوالى، وأن حجم الدور القطري في تبني العنف والتحريض إنما هو في ازدياد، موثقاً بالأسماء والأرقام والإحصائيات، ومستنداً على حقائق لا يمكن التشكيك فيها، بينما تواصل الدوحة عبر وسائلها الإعلامية النفي، والتأكيد على عدم صحة ما ينسب إليها، في وقت يجمع العالم على ضلوعها في تمويل ودعم الإرهاب في عدد من الدول، والتعاون مع كثير من المنظمات والكيانات والأفراد التي تتهم بأنها طرف رئيس في عدد من العمليات الإرهابية، سواء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي أو في غيرها.
**
والمصيبة الكبرى أن قطر تتحدث عن كل ما يحوم حولها من إتهامات بالإنكار والنفي، ومحاولة الالتفاف على هذه التهم الموثقة بالتوقيع على اتفاقيات على محاربة الإرهاب، ووضع قوانين يتم تعديلها من حين لآخر، وكلها تركز على التعامل بحزم مع العمليات الإرهابية بتفاصيل وبنود تظهر وكأن قطر ليست أكبر دولة داعمة وممولة للإرهاب، وبما لم يعد هذا التذاكي القطري مفهوماً في ظل وقوعها في الفخ بعد أن ضيق الخناق عليها، وفتحت الملفات التي كشفت عن تاريخها المرتبط بالإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تحارب الإرهاب، أي أننا أمام غباء سياسي لا تجيد ممارسته إلا دولة قطر، وتصرف أحمق لا يمكن لعاقل أن يقدم عليه دون أن يخاف من المحاسبة والعقاب.
**
هذه هي قطر بوجهها الآخر، فبينما تحاول أن تظهر بأنها دولة صغيرة مسالمة ومهددة من جيرانها، وأنها بريئة من كل ما ينسب إليها من اتهامات، وأن حصارها -كما تسميه- هو محاولة لتجويع المواطنين، لولا الفزعة التركية التي أمدت قطر بحاجتها من المواد الغذائية وغيرها، متجاهلة أن قطع العلاقات معها، وإقفال الحدود البرية والجوية والبحرية بينها وبين جيرانها هو لمنع وصول الإرهاب عبر قطر، وإيقاف تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول، والسيطرة على عمليات التحريض والعنف والتطرف التي عادة ما تكون من مصادر قطرية بشكل مباشر حيناً، وغير مباشر أحياناً أخرى، وهي لعبة قطر التي لم تفت على المواطن القطري الذي أدرك حجم المؤامرة القذرة التي تحاك ضد قطر وجيرانها وأشقائها من قبل من يقيمون في قطر، ويتحكمون بالقرار والمال والوجاهة في هذه الدولة الصغيرة.
**
لا بأس أن تختلف قطر مع دول مجلس التعاون في السياسات والرؤى، إذا كان هذا الاختلاف لا يلحق الضرر بهذه الدول، ولا يعرض سلامة مواطنيها للخطر، فمن حق كل دولة أن تختار السياسة التي تخدمها، بشرط ألا يؤثر ذلك على مصالح الدول الأخرى، أو يكون سبباً في التآمر على أنظمتها، لأن مثل هذه السياسة حين تحمل هذه الأجندة، وتتسم بهذا التوجه العدواني ضد الغير، فلا مجال للتسامح معها، ولا قبول باستمرارها، ومن المهم التصدي لها مهما كلف ذلك من ثمن، لأن ما تفعله قطر يندرج ضمن هذه المحاذير التي حذَّرَت منها، واعتُبِرَت كما لو أنها إعلان حرب دون سبب أو مبرر، وتطاول على حقوق الجار والشقيق، بما جعل من موقف الدول الأربع ضد قطر موقفاً مفهوماً ومتفهماً لدى دول العالم.
**
نكتب هذا الكلام، ونحن في حالة صدمة وذهول بالإعلان عن قائمة جديدة من الكيانات والأفراد تدعمها دولة قطر، وتتعاون معها لإلحاق الضرر بالدول العربية، باعتبارها مصادر إرهابية موثقة بالدليل والأعمال التي تم رصدها، لتضاف إلى القائمة الإرهابية الكبيرة التي سبق وأن أعلن عنها، وربما تضاف إلى قوائم أخرى في المستقبل، فدولة قطر مثقلة بالكيانات والمنظمات والأفراد الذين اشترت ذممهم بأموال المواطنين القطريين ليقوموا بأعمال تخريبية، الهدف منها زعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول، دون أن يفكر شيوخها ومسؤولوها بما يشكله هذا السلوك من اعتداءات سافرة على شعوب هذه الدول، ومن خلق مناخ مضطرب وجعل الفوضى وعدم الأمن هما الأجواء التي تخيم عليها، متخلية هذه الدولة الصغيرة عن أخلاقيات التعاون لما يخدمها ويخدم الدول التي نالها نصيبها من هذه العمليات الإرهابية، والتحريض لخلق جو من الفوضى وعدم الاستقرار.
**
تعالوا بنا نستعرض القائمة الجديدة، واحكموا يا أولئك الذين يدعون إلى الصلح مع قطر، وقبولها ضمن الجسم الخليجي بالتفاهم والحوار بعيداً عن وسائل الإعلام، معتقدين أن قطر سوف تتخلى عن عدوانها إذا ما تم الحوار معها داخل الأبواب المغلقة، متجاهلين ومتناسين ما سبق أن تم الاتفاق مع الدوحة ضمن سرية التفاهم التي ينادون بها، لكنها ما إن وقَّع أميرها على ما ينأى بقطر عن التصرفات العدوانية، إذا بها تزيد من حجم مؤامراتها، وتكرس كل ما كان موضع رصد وملاحظة عليها، بالدعم والإيواء والتمويل، وكأنها لم توقع على التزام كهذا، وكأن الاتفاق يعطيها الحق في التنصل من بنوده أو يعفيها، اعتماداً على أن المملكة والدول الأخرى ستجد صعوبة في إثارة الخلاف مع قطر خوفاً من أن يدفعها ذلك إلى الارتماء أكثر في أحضاء الأعداء.
**
ففي بيان للمملكة والإمارات والبحرين ومصر تم الإعلان عن تصنيف تسعة كيانات وتسعة أفراد تضاف إلى قوائم الإرهاب المحظورة لديها، وهي: مؤسسة البلاغ الخيرية، وجمعية الإحسان الخيرية، ومؤسسة الرحمة الخيرية، وكلها في اليمن، ومجلس شورى ثوار بنغازي، ومركز السرايا للإعلام، ووكالة بشرى الإخبارية، وكتيبة راف الله السحاتي، وقناة نبأ، ومؤسسة التناصح للدعوة والثقافة والإعلام، وهذه كلها في ليبيا. وبالنسبة للأفراد فهناك خالد سعيد فضل راشد البوعينين، وشقر جمعة خميس الشهواني، وصالح أحمد الغانم، وهؤلاء من قطر، وحامد حمد حامد العلي من الكويت، وعبدالله محمد علي اليزيدي، وأحمد علي أحمد برعود، ومحمد بكر الدباء، وهؤلاء من اليمن، والساعدي عبدالله إبراهيم بوخزيم، وأحمد عبدالجليل الحسناوي، وهما من ليبيا.
**
وقد جاءت هذه القائمة والإعلان عنها في إطار التزام الدول الأربع الثابت والصارم بمحاربة الإرهاب، وتجفيف منابعه، ومصادر تمويله، وملاحقة المتورطين فيه، ومكافحة الفكر المتطرف، وحواضن خطاب الكراهية، كما أشار إلى ذلك البيان الذي جاء استمراراً للتحديث والمتابعة. وقد جاء في التفاصيل أن النشاط الإرهابي لهذه الكيانات والأفراد ذات ارتباط مباشر أو غير مباشر بالسلطات القطرية، وأن الأشخاص القطريين الثلاثة والشخص الكويتي المدرجين في القائمة لهم نشاط في حملات جمع الأموال لدعم جبهة النصرة وغيرها من الميلشيات الإرهابية في سوريا، كما أسهم ثلاثة يمنيين وثلاث منظمات في اليمن بدعم تنظيم القاعدة، والقيام بأعمال نيابة عنها اعتماداً على دعم قطري كبير من مؤسسات خيرية في قطر مصنفة إرهابية لدى الدول الأربع، أما الشخصان الليبيان والمنظمات الإرهابية الست الأخرى فإنهم مرتبطون بمجموعات إرهابية في ليبيا تلقت دعماً جوهرياً ومالياً من السلطات القطرية لعبت دوراً -كما يقول البيان- في نشر الفوضى والخراب في ليبيا.
**
السؤال: ماذا لدى دولة قطر لتدافع به عن هذه الجرائم، وبالتالي تخلي ساحتها من أي دور لها في ذلك، وماذا لديها غير النفي، وطرق أبواب الدول ووسائل الإعلام، واستخدام المال، لتحسين صورتها، وإيجاد مخرج لها من هذه الحقائق التي تدينها، علماً بأن هناك المزيد المتوقع بأن يعلن عنه، وفيه الكثير من الجرائم التي ارتكبتها قطر على مدى سنوات، مما يُصعِّب في موقفها، ويجعلها أضعف من أن تواجه هذه الاتهامات بما يبرئها من ممارساتها الإرهابية التي أصبحت حديث العالم، والموضوع الأول في التداول عبر وسائل الإعلام المختلفة.