د.محمد بن عبدالرحمن البشر
هناك رابط أزلي لا ينفصم بين الماء والغذاء، وبينهما وبين الإِنسان، والله سبحانه وتعالى خلق الطبيعة لتسبح بحمده، وليستغلها الإنسان في عمارة هذا الكون الفسيح، كما أمر الله بني البشر ألا يسرفوا في استخدامهم لهاتين النعمتين العظيمتين، والشواهد من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية معلومة مشهورة.
والماء والغذاء ليس متوزعًا توزيعًا أمثل على سطح الأرض، كما هي حال بني البشر، فهناك كميات كافية في مناطق معينة وكميات محدودة في مناطق أخرى، وليست الوفرة في حد ذاتها القادرة على تحقيق متطلبات الأنفس البشرية والحيوانات القابعة على تلك الأرض، وإنما مدى القدرة على استغلالها والرشادة في استعمالها، والتباين واضح ملموس، حيث نجد مجتمعات بشرية تعاني من توفر الماء المستغل للشرب، والغذاء المستفاد منه للأكل، على الرغم من توافر مكونات الغذاء، وكميات المياه.
والصين البلد العظيم الكبير في مساحته والكثير في عدد سكانه، الذي يشكل نحو 22 في المائة من عدد سكان العالم، لا يحتوي إلا على نسبة 11 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة ولا يزرع منها إلا 8 في المائة، والصين استطاعت عبر السنين وتزايد عدد السكان أن توائم نفسها مع واقعها، كما هي الحال في أماكن كثيرة من العالم بما فيها الجزيرة العربية التي استطاع سكانها العيش آلاف السنين على الرغم من محدودية الماء والغذاء، بل وهبوط كمياتهما في فترات من العام إلى درجة مخيفة، حيث لا يتوافر سوى قليل من التمر، وبعض الماء المتوافر من الآبار المحدودة.
بعد النهضة الصناعية الهائلة في الصين وتسارع تقدمها ومن ثم توافر المال في أيدي الشعب الصيني، مما دفع به إلى تغير نمط حياته بما فيها مشربه، ومأكله، وكميات الماء اللازمة لخدماته، تحير العلماء في الكيفية التي يمكن للصينين معها توفير ما يحتاجونه من ماء وغذاء لأنفسهم من الأراضي الصينية وغيرها من بلدان العالم، وصدرت الكثير من الكتب التي تريد أن تجد جوابًا لسؤال كثيرًا ما يطرح، وهذا السؤال يتمثل في قولهم: من يطعم الصين.
سؤال كتب أحدهم عنه كتابًا جعل هذا السؤال عنوانه، وتلمس الإجابات عليه، ووضع إحصائياته ونتائجه فيه، وكان ذلك قبل خمسة عشر عامًا، واليوم وبعد أن تغير النمط الغذائي الصيني في كثير من مناحيه ظلت الصين تنتج وتزيد من إنتاجها وتستورد من العالم الخارجي ما يسد العجز في ميراثها الغذائي.
إن تحول الصين من الاعتماد على الأرز كغذاء أساسي، واستهلاك كميات قليلة من اللحوم والخضراوات، نمطًا يتناسب مع قدراته في ذلك الوقت، والصين اليوم وقد تغيرت قدراتها وارتفع دخل الفرد فيها أصبح الفرد فيها يستهلك كميات أكبر من اللحوم والخضراوات، والزيوت، لا سيما زيت فول الصويا، وأذكر أنني قبل خمسة عشر عامًا عندما كنت أعيش في الصين كان الاستيراد من زيت فول الصويا نحو خمسة وعشرين مليون طن، وهذا الرقم يصل اليوم إلى نحو اثنين وتسعين مليونًا، ولا شك أن ذلك كان على حساب بعض الغابات في البرازيل، وأيضًا التحول من إنتاج محاصيل معينة إلى زراعة فول الصويا لتلبية حاجة الصينيين بأسعار أفضل، وهذا أيضًا ينطبق على الأرجنتين، والمشكلة الأخرى أن التحول من استهلاك الأرز بشكل كبير إلى مزيد من استهلاك اللحوم، سيؤدي إلى استهلاك كميات كبيرة من الأعلاف، حيث إن إنتاج الكيلو الواحد من اللحوم يتطلب أعلافًا بمقدار ستة أضعاف الكيلو الواحد من الأرز، أي أن استبدال كيلو أرز بكيلو لحم يتطلب زراعة علف على مساحة تبلغ ستة أضعاف المساحة اللازمة لإنتاج الأرز، وهذا يعد رقمًا كبيرًا، وهذا ما حسبه علماء الزراعة والطبيعة في ذلك الوقت.
الواقع أثبت أن الإنسان قادر على التأقلم في الظروف المختلفة، ولهذا لم نجد خللاً كبيرًا في التوازن الغذائي والمائي والبيئي العالمي حتى الآن.