خالد بن حمد المالك
في حواراتي اليوم وكل يوم مع أمير قطر وشيوخها، وأولئك النافذين من غير القطريين في السياسة القطرية، فأنا بذلك أبحث عن مسؤول يعلق الجرس، ويقول لنا هاأنذا أستطيع إنقاذ قطر من أزمتها، وأحميها ممن ورَّطها ويورِّطها بمشكلات هي في غنى عنها، أبحث عن هذا الرجل الشجاع المخلص الذي يرى غير ما يراه النظام القطري، فلا أجد مطلبي حاضراً، ولا يتحقق لي ما أتمناه من خير لقطر، فأعود لتكرار المحاولة يوماً بعد آخر، لا يهزمني خطاب أمير قطر، ولا اتفاقية الدوحة مع واشنطن لمحاربة الإرهاب، ولا صدور مرسوم أميري يحدد الموقف القطري من الإرهاب، بل وحتى القواعد العسكرية التي ولدت خلال الأزمة قاعدة عسكرية لتركيا، وفي الطريق قاعدة عسكرية لإيران، والحبل - كما يقولون - على الجرار.
* *
هذه هموم يومية تقلق الخليجيين الشرفاء، وتقوِّض مضاجعهم، وتؤذيهم في الصميم، إذ ليس هناك من يحمل حباً وعاطفة لقطر وشعبها العزيز يقبل لها أن تكون هكذا، رهينة بيد الأعداء، مسلِّمة إرادتها لمن يتآمر عليها، وقابلة بأن تكون على الهامش في ظل هذه السيطرة الأجنبية على القرار فيها، وهو ما يغضبنا، ويجعلنا في خوف دائم ومستمر عليها، بل لا يهدأ لنا بال ونحن نراها على ما هي عليه من استسلام وخضوع للمتآمرين عليها.
* *
لقد أغراها المال، فحسبت نفسها دولة كبيرة، وبلاداً عظيمة، تشتري بمالها الدول والمنظمات والأفراد، وتعتدي به على الغريب قبل البعيد، وتوظفه لزعزعة الأمن والاستقرار في الدول الشقيقة، ولا تقبل بأقل من أن يلتزم الجميع الصمت على مؤامراتها، والسكوت على جرائمها، وإلا كان الإيذاء أعظم وأخطر، فكل شيء مباح لها، مثلها مثل كل الدول الفاشلة، التي لا تلتزم بالقوانين، ولا تهتم بالاحتجاجات، وتتصرف وكأنها فوق القانون، وتخطط لمؤامراتها متجاهلة أن كل شيء أصبح على المكشوف، وأن عليها أن ترعوي قبل أن يصلها العقاب الشديد.
* *
نحاورهم بهدوء، ونخوّفهم بالقادم الذي ينتظرهم إذا ما استمروا على هذه الحال، لا نتجنى عليهم، ولا نطمع بشيء منهم، نقول لهم الحقيقة، ونتواصل معهم لإيصال المعلومة التي خُدعوا بها، فتطاولوا، واستكبروا، ومارسوا من الأفعال ما يستحقون عليه التصدي بالقوة التي يستحقونها، غير أنهم لم يتزحزحوا قيد أنملة عن مواقفهم العدوانية، وظلوا في الموقف الذي يتجه نحو التصعيد غير مدركين بما يكلفه ذلك من دفع للطرف الآخر ليقوم بما يحافظ به على أمنه، وسلامة أراضيه، وحماية المواطنين من الغدر والخيانة والتسلط والتحريض، وما شابهها من أعمال وتصرفات حمقاء لا يمكن التسامح معها.
* *
هل نحن على خطأ عندما نذكِّر دولة شقيقة كقطر بما يترتب عليها للمحافظة على علاقاتها بجيرانها وأشقائها، ونحذّرها بخطورة التجاوزات التي تقوم بها ضد مصالح هؤلاء الأشقاء، وهل يعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية لهذه الدولة الصغيرة حين نقول لها: كفى استخدام قناة الجزيرة في التحريض، ونشر الأكاذيب، واختلاق الروايات والقصص التي لا صحة لها، وما العيب في تصرف الدول الشقيقة حين تطلب من قطر عدم إيواء ودعم الإرهابيين من منظمات وكيانات وأفراد، وهكذا هي الأسئلة التي تصب في مصلحة قطر، وتبحث لها عن مخرج يحفظ ماء الوجه لها، وتساعدها في تجاوز أزمتها، بروح من التسامح والعفو، متى قبلت بالشروط والطلبات والضمانات التي توقف قطر من أن تواصل مسلسل مؤامراتها ضد الدول الشقيقة.
* *
إن حواري معهم أشبه بالعتاب، عتاب من محب لا يضمر لقطر وأهلنا في قطر إلا الخير والمحبة، ولكن على قاعدة لا تؤذونا، ولا تتآمروا علينا، وكونوا معنا في الحب والتعاون والبحث عن نقاط الالتقاء لا الاختلاف، واقبلوا بمشورتنا لكم، وقدِّروا حلمنا على إرهابكم، لا كما عبَّر عنها أمير البلاد، الذي أنكر كل اتهام، وصرف النظر عن كل مقترح بناء، وأمعن في الرفض للمطالب الثلاثة عشر، واعتبرها تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد، بينما الأمر غير ذلك، فإن كان - كما يقول - بريئاً من كل التهم، وأنه لن يكون له نشاط لإيذاء جيرانه في المستقبل، فعليه أن يوافق على الشروط ليبرئ ساحته، على أن يكون مسؤولاً عن أي خروقات لما سوف يوافق عليه، فإن لم يفعل فهو إنما يبيِّت الشر للدول الشقيقة، وهذا معناه أن تبقى قطر دولة منبوذة وخارج المنظومة الخليجية، ولا تعاون ولا علاقات ولا مصالح مشتركة معها.
* *
نريد من قطر مخلصين لها، بارين بأهلنا هناك، أن يثقوا بأنه لا خيار لهم أفضل من الدول الشقيقة في الأمان لدولتهم، وأن أي تسويق آخر لأفكار أخرى تخالف ذلك، فهي مؤامرة كبرى يريد العدو تمريرها تحت أكثر من غطاء لإخفاء أهدافه، وأن الدول الأربع بموقفها من المؤامرات التي تُطبخ في الدوحة، إنما تدفع بهذا الشر بعيداً عن وصوله لأراضيها، وربما ساعد هذا الموقف في التخفيف من آثاره السلبية على قطر نفسها، وإن لم يقض تماماً وبالكامل على المخطط العدواني الذي يستهدف قطر، بحكم أنها أصبحت سجينة لجبروت هؤلاء الأعداء، بينما يصرّ شيوخ قطر في الدفاع عنهم، وتقبل أفكارهم، وإبداء التعاون معهم، إما عن جهل، وهذه مصيبة، أو إن كان عن غير جهل، وهنا تكون المصيبة أعظم وأفدح.
* *
دعونا نواصل الحوار مع الدوحة، نبحث لها عن سُلَّم تقفز منه إلى ما يحرك الحس الوطني والقومي، فتعلن حينئذٍ عن تمردها على كل ما هو محل اقتناع لديها في الوقت الحاضر، وتفتش بوعي ومسؤولية عن الأسلوب الأمثل للتصالح مع نفسها أولاً، ثم مع جيرانها وأشقائها ثانياً، وكل هذا مرهون بالتكفير عن أخطائها وسلوكها وتحريضها السابق ضد أشقائها، والالتزام بعدم تكرار ما كان موضع خلاف مستفحل معها، وكل التفاصيل بعناوينها ومحتواها تحدثت عنه الطلبات الثلاثة عشر التي تقدمت بها الدول المتضررة عن طريق الوسيط الكويتي، وما تبعها من قائمة للمنظمات والكيانات والأفراد ووسائل الإعلام التي تقيم أو تُمَوَّل من قطر، وصُنِّفتْ على أنها قوائم تضم الإرهابيين.
* *
أنَبِّه شيوخ قطر أن عدم إبداء أي مرونة لتفهم مطالب الأشقاء، والثبات على السياسات والمواقف موضع الاختلاف لا يحل المشكلة، ولا ينهي القطيعة، ويضعف قطر، ويجعلها تغرِّد خارج السرب الخليجي والعربي، وهذا ليس من مصلحتها، حتى وإن ادّعى أمير البلاد الشيخ تميم بأن الدوحة لم تتأثر بهذه المقاطعة، وأن تركيا قد عوَّضت قطر بحاجتها من المواد التنموية، وأن قطر يمكن أن تتحمَّل إجراءات الدول الأربع، وتقاوم قفل الحدود البرية والجوية والبحرية معها، غير أن ما هو واضح أن تركيا أو إيران وإسرائيل لا يمكن أن تفك الأزمة القطرية، بحسب من يتابع السوق وينقل معاناة المواطن، بسبب عناد السلطة، وتعمدها في جعل المواطن القطري يتحمل وزر أخطاء من بيدهم القرار، ومن كانوا وراء هذا التصعيد من قطريين وغير قطريين.
* *
قطر أمام مفترق مجموعة من الطرق، وعليها أن تختار الطريق الأصلح، وتتجه الاتجاه الذي لا يلقي بها إلى ما يعرض مصالحها للخطر، وأن تأخذ المشورة والاستشارة ممن يحب قطر، ويحرص على سلامتها، ويرغب في أن يراها حرة أبِيَّة، وذات توجهات سليمة، ومتحررة من أقطاب الإرهابيين والحاقدين وذوي النفوس المريضة، فهل هي مهيأة لهذا الدور، خاصة بعد خطاب أمير البلاد الذي نسف كل شيء، وتمادى بالكلام بما أبعد فرص الحل من أن تلوح كما كنا نتمنى، وإن كان بوسع شيوخ قطر أن يعيدوا هذه الفرص إلى ساحة الحوار والمباحثات مسبوقة بالتزامهم بالقبول بالطلبات التي تمثِّل معالجة لأسباب هذه الأزمة والطريق من خلال تنفيذها للعبور إلى الحلول الممكنة، وعلى أن يكون هناك التزام قطري صادق بعدم تكرارها.