محمد عبد الرزاق القشعمي
ويذكر أنه قد جاءه طالب من عنيزة يرغب بالدراسة بالقسم العلمي، وكان وقتها لا يوجد في ثانوية عنيزة سوى القسم الأدبي، فأبرق لمندوب التعليم بضرورة إحداث قسم علمي بها حتى ولو لم يوجد به سوى طالب واحد. ويبرز فيما بعد هذا الطالب، وينجح في رغبته، ويتولى رئاسة كلية العلوم بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وهو الدكتور علي الدفاع. وغيره ممن رفضت قبوله إدارة مدرسة اليمامة الثانوية الوحيدة بالرياض لاكتمال العدد، فيوجه خطاباً لمدير المدرسة بأن يقبل حتى لو جلس بالدريشة - أي نافذة الفصل - ويفاجأ بعد سنوات بمن يلتقيه، وإذا به مسؤول كبير قد أكمل دراسته وتولى مسؤولية متقدمة.
كان - رحمه الله - ضد التبذير، ولكنه يعارض التوفير المبالغ فيه، كأن يوفر شيئاً من ميزانية الوزارة لتعاد بعد ذلك للمالية دون صرف، وبالذات عندما خصص مبلغ 300 مليون لبناء منشآت مدرسية حديثة بعد إلغاء مشروع المباني الجاهزة أو الاستغناء بها عن المباني المستأجرة، ومع ذلك أعيد المبلغ بكامله، مما أزعج بعض المسؤولين، ومنهم صاحبنا إبراهيم الحجي، مما حمل الوزير على طلب اجتماع بالوكلاء والمديرين العامين، وضمن ما حدثهم عنه قوله: إن الوزارة قد بنت كثيراً من المدارس في جميع أنحاء المملكة في أعالي الجبال وفي السهول. فرد أحدهم بأعلى صوته بكلمة شعبية (من وراء الصاير). فضحك الجميع. وضحك وهو يروي هذه القصة. فلم أفهمها، فاستوضحت منه، فقال: يعني أنك لست متأكداً من كلامك؟!
يقول إنه بعد تقاعده وفقده البصر صار يعتمد على السماع بواسطة أشرطة صوتية مسجل عليها بعض الكتب، كتفسير ابن كثير والبداية والنهاية وتاريخ الطبري وغيره، وأن أحد طلبة العلم من أبناء الجزائر يزوره يومياً، ويقرأ ويكتب له بمعدل خمس ساعات يومياً.
وختاماً، لا نغفل أن المرحوم بصفته وكيلاً لوزارة المعارف كان ممثلاً لها في مجالس جامعات الملك سعود بالرياض وجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ومجلس جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وجامعة الملك فيصل في الدمام، وكان عضواً في مجلس إدارة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وعضواً لمكتب التربية لدول الخليج، كما اشترك في كثير من مؤتمرات دول الخليج العربي ومؤتمرات المنظمة العربية للثقافة والعلوم والآداب في تونس، وفي مؤتمرات هيئة اليونسكو. هذه المعلومات وردت في موسوعة التعليم السابق الإشارة إليها.
قال عنه زميله الشيخ عبدالعزيز الرويس إنه لا يضع راتبه بحسابه بالبنك بل يضعه في درج مكتب بوسط المنزل فإذا احتاج أي فرد من الأسرة شيئاً منه لحاجته أو حاجة المنزل أخذ منه حاجته دون استئذان.
ويذكر زميله الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل أنهم كانوا يجتمعون معه عندما كان مديراً للامتحانات لوضع أسئلة الشهادات (الابتدائية والمتوسطة والثانوية) «.. وكان لديه فرن خاص، تحرق فيه جميع مسودات الأسئلة، ويأخذها من لجان الأسئلة، ويحرقها بنفسه خشية أن تتسرب. وقال: إنه يمتلئ حماساً لقضايا التعليم والمناهج والعملية التعليمية وترسيخ المضامين التربوية للتعليم والمثل العليا والأخلاق والسلوك القويم الكريم للشباب. لقد كان يتمتع بالعلم والحزم والإخلاص ودماثة الخلق والتواضع؛ لذا حظي بمحبة الجميع لأنه كان محباً للجميع حيث كان حكيماً في معالجة الأمور .. «.
وقال عنه الدكتور سعيد المليص عضو مجلس الشورى: «.. لقد جاهد الشيخ إبراهيم الحجي طوال حياته من عامل بسيط إلى تلميذ بشتى وسائل التلمذة في الصف والمنزل، في المدرسة وفي مقر العلم، وتدرج في مناصب عدة حتى وصل إلى منصب وكيل وزارة المعارف للشؤون الثقافية.. تشعر وأنت تتحدث إليه بأنك أمام رجل عصامي من درجة يندر وجودها إلا في ذلك الزمن، ساهم مع رعيله في إرساء كثير من الأساليب الحديثة في التعليم والتعلم، وفتح للثقافة في وزارة المعارف آنذاك مجالات أرحب في المكتبات المدرسية والكتب الثقافية والمسابقات الطلابية وميادين محو الأمية وتعليم الكبار التي تعرف له قدره ومكانته، وصاحب النهضة التعليمية الكبرى منذ تولي وزارة المعارف الأمير فهد.. «.
وقال الدكتور عبدالمحسن التويجري، وكان أحد المبتعثين للدراسة في باكستان: «.. فصار رمزاً يذكر، قيمه سخرته وسخرها لهدف نبيل ارتبط بحراك التعليم والمدرس والطالب، حيث محراب العلم، وأعطى جهده وتجربته مع الخبرة لهذا الهدف، وعمل على تطوره واستقرار طلابه.
أجزم أن مشاكل مرت بالطلاب وكانت متنوعة متداخلة، ولكنه عمل على معالجتها باقتدار وحكمة خالدة ذكرياتها مع أبناء قريته، واستطاع أن يعالجها لصالح مستقبله وأهداف هذا المستقبل المرتبط بالتعلّم وفق مراحله ومؤسساته، وما يأمل من تطور له ..».
... ... ...
( ) تلقى تعليمه في مدرسة دويحس الشماس الدينية بالزبير. عاد للمجمعة وافتتح مدرسة عام 1336هـ واستمرت حتى عام 1356هـ حيث افتتاح المدرسة النظامية.