الفارس الأزرق الذي حين حلت الظلمة وسادت العتمة وحين ضاقت جميع الحلول، وباتت كل أصابع الحاجة تشير إليه للتصدي إلى الوظيفة الصعبة! لم يتهرب أو يماطل، بل نكث «غبار» التردد الذي كان يلازمه قليلاً لـ يتوشح بعد ذلك جلباب «الرغبة العارمة» في دهس كل تحدٍ يعتلي عنقه! شتت كل خوف وبعثر كل قلق وانبرى إلى المهمة بـ قلب مؤمن!
امتطئ فرس «الشجاعة» لـ يقتحم أرض المعركة المصيرية بـ شراسة النبلاء وكان شعاره الوحيد وغايته المفضلة «الهلال وجماهيره أولاً وقبل كل شيء»!
بالفعل لقد وضع قدمه، وحين تعمق أكثر اكتشف أن اليأس قد أحاط بـ القوم، والتشتت قد تمكن منهم، والتخبط قد أخذ ما أخذه، وبات حدوث «السقوط» المضني وشيكًا!
فما كان منه إلا أن حمل سيف العزيمة ورفع سلاح الصبر لـ يمضي قدمًا في رحلة البحث عن الهوية المفقودة وإعادة الأمجاد السالفة! لم يكن الطريق مفروشًا بالورد فـ عثرات البداية قد وقفت ندًا شرسًا له في أول خطوات الدرب الطويل فـ أعاقت «بعض الشيء مسيره وعرقلت «نوعًا ما» خطواته ولكنها لم تستطع أن توقفه أو تهزمه! ولا يمكن إنكار أنه كان قريبًا من رفع راية الخضوع وإعلاء شارة الاستسلام! إلا أن ذلك لم يكن سوى «جسر» يأس بسيط بـ عبوره تفتحت له آفاق النجاح الكبير! بـ كفاح الأبطال ورباطة جأش الشجعان وقبلهما بـ حنكة القيادة وكفاءة الإدارة وبـ الصدق الخالص والولاء المخلص استطاع القضاء والتخلص من كل بقعة «سواد» تدنس بها ثوب الهلال في أعقاب الفترة التي سبقت قدومه! فـ ضرب بيد من حديد على كل انقسام وطهر كل انشقاق وشتت كل شتات قائم، لـ يرسل بعد ذلك «قافلة» ألفة زرقاء احتضنت جميع المحبين، وسارت بهم معًا إلى مدن المجد وعواصم الأفراح!
أول فصول قصة النجاح الساحقة التي أعقبت متاهة الفشل المؤذية كانت بـ احترام الأدبيات وتقديمها على ما دونها من أمور أخرى أقل أهمية! وذلك تلخص أكثر في تفضيل حكمة الصمت على شغف الحديث! فـ لغة الكلام قد ضاعت معه، وتاهت عن طريقها، بل فقدت بريقها، وذاقت مرارة الذل معه فهي ظلت وما زالت تجهل الأسباب والمبررات التي جعلته يتجاهلها ليكون تعامله لصيقًا بالأفعال والأفعال فقط! قتلتها «الغيرة» لأنه لا يطيق التعامل معها وفضل بدلاً عن ذلك، أن جعل «أفعاله» فقط، هي من تتولى تلك المهمة عنه!
كان عند الوعد دومًا، وعند ثقة محبيه به لم يخذلهم أبدًا، ولم يبعهم الوهم أو يهديهم تلك الوعود الكاذبة، كان همه أكبر همه أن يصنع الفرح على هيئة «حلوى» تصافح جميع الشفاه الزرقاء! وبالتوقف عند عديد مساهماته وكثير مبادراته التي بـ فضلها، حاز على غاية الثقة «صعبة المنال» التي قد سعى الكثير لانتزاعها قبل أن يفشلوا في عبور «الاختبار» الأخير! فـ نجد أنه كان وفيًا مع جنود الرعيل الماضي الذين كان لهم دور بارز في بناء مجد وأمجاد هذا الكيان العظيم! فـ أعاد لهم جزءًا من بريق الاهتمام في الوقت الذي قارب البعض على نسيانهم ونسيان ماضيهم الحافل بالفخر والافتخار!! ولأن الغرور والكبرياء لم يعرفا طريقًا إليه، كان يأخذ مشورتهم ويستمع لـ آراءهم بكل آذان صاغية، ويأخذها جميعها على محمل الجد! ولم يكن لـ يستدعيهم لمجرد التقاط صورة أو تناول طبق عشاء شهي لـ استجلاب مديح كاذب أو لـ استحضار إطراء وهمي!
كان رجلاً «واحدًا» لكن حضوره يشبه حضور تلك الجيوش مكتملة العدة والعتاد وفائقة العد والتعداد! فـ تجده موجودًا خلف الفريق حيثما طار ووقع وأينما حل وارتحل! فهو بالملعب مؤازرًا، وخارج الميدان داعمًا وبالمحاكم لـ حقوق النادي محاميًا، وضد كل وضيع يرتفع صوته مدافعًا! وعند الإسهاب، والغوص في التفاصيل، لا يمكن نسيان أو تجاهل تلك الوجوه التي انرسم على ألسنتها شتى أنواع التعصب التي تفوهت بجميع أشكال البذاءة من رمي التهم الزائفة وكيل الأكاذيب الطائلة وتجاوز حدود الأدب الواضحة! فهو لم يجار «سقوطهم» الأخلاقي ولم يدخل معهم في معركة «تصعيد» منحلة ولكنه ببساطة «عرف من أين تؤكل الكتف» لـ يأتوا بعد ذلك منصاعين لبأسه الشديد و خانعين لـ بطشه المدوي معنونين انكسارهم التام برسالة اعتذار خاضعة أذيعت كامل مجرياتها أمام مرأى ومسمع من الجميع!
وبعد أن جمع الشمل وحصد أوج النجاح وبلغ قمة الرضا وحاز على منتهى الثقة نراه هذه الأيام لم يبادر إلى التوقف بعد الركض الطويل ولم تفتنه الراحة بعد التعب العسير ولم تستوقفه القناعة وتغريه بما حقق، بل رمى بكل ذلك خلف ظهره وفضل المسير قدمًا وكأنه حرفيًا أتى لـ غاية وحيدة و»سامية» وهي حفر اسمه في ذكرى وذاكرة الهلاليين إلى الأبد!
هو بحق وحقيقة «عراب التطوير الأزرق وقائد مرحلة التغيير الجذرية والذي حول «العتمة» نورًا، والإحباط أملاً، والضعف قوة والفرقة والتفرق جمعًا وجماعة!
تاهت كل لغات الثناء في وصف وإنصاف جزيل عطائه وعظيم صنيعه، وتلعثم لسان المدح من هول «عجزه» عن نطق جملة واحدة تفيه ولو جزءًا بسيطًا من حقه ولم يكن من «فم» الفخر إلا أن بلع «ريقه» وظل في حيرته صامتًا فالصمت هنا وفي حضرة «وجه السعد» هو تمام «الفخر» ومنتهاه!
أخيرًا: يتساءل الجمال: من هو نواف بن سعد؟ ويجيب عن نفسه: هو «سحابة» من السماء، هبطت علينا على هيئة «بشر» وبدلاً من أن تصب الماء ثجاجًا، كان صب الفرح تباعًا هو عنوان «المطر» الأبرز!
** **
- حسين اليامي