ناصر الصِرامي
يعد مؤشر البطالة واحد من أبرز العناوين المؤثرة في اقتصاد أي بلد، وهو دائمًا ما يحكي قصة النمو والتخطيط الاقتصادي. ناهيك عن كوّن هذا الموضوع باستمرار يحمل أبعادًا أمنية وسياسية، لكن لدينا دائمًا لكل حكاية أبعاد مختلفة تتعلق بتحولاتنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى الفهم الديني، هي خصوصيتنا المملة والحقيقة في الوقت ذاته.
النشرة التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء، حول سوق العمل للربع الأول 2017م، توفر بيانات ومؤشرات حول سوق العمل في المملكة، لتدعم متخذي القرار وراسمي السياسات الخاصة بالقوى العاملة، وتسهم في بناء قاعدة بيانات خاصة لهذه للسوق، كما إشارات - وكما هو المؤمل للاستفادة منها في الإعداد والتخطيط للبرامج التنموية الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية. وبالتأكيد الرؤية السعودية إلى 2030 وما بعدها بإذن الله.
النشرة التي تصدر بشكل ربع سنوي، أوضحت أن الربع الأول من عام 2017م، كشف أن جملة المشتغلين من واقع بيانات السجلات الإدارية في المملكة بلغت (13.889.137) فردًا مقابل (13.944.732) للربع الرابع من عام 2016م. من إجمالي سكان السعودية البالغين نحو 30 مليون نسمة.
تشير البيانات الرسمية إلى أن إجمالي السعوديين الباحثين عن عمل بلغ (906.552) فردًا، وباللغة الإعلامية، نحو مليون تقريبا!، يمثل الذكور منهم (2190.017) فردًا ويمثل الإناث منهم (687.535)، مؤشرًا غير مريح كرقم، لكنه أيضًا مهم للتنبيه لكثافة الرغبة لدى المرأة السعودية للمشاركة في البناء والتنمية وتحقيق دخل لها ولعائلتها، كما يظهر تقلص حالات التحفظ القديمة أمام تحديات الحياة وتطورها لدى المجتمع، والأهم أنه رقم بالتأكيد مرشح للاستمرار في النمو.
طبعًا أعلى نسبة للسعوديين الباحثين عن عمل كانت في الفئة العمرية (25 - 29)، سنة وهي الشريحة الأوسع في تعداد المجتمع السعودي الشاب، إضافة إلى أنه يشكل الفئة العمرية بعد إنهاء الدراسة الجامعية، حيث بلغت أكثر من الثلث (34.8 في المائة). أيضًا ما يقارب نصف السعوديين الباحثين عن عمل يحملون الشهادة الجامعية ونسبتهم 50.3 في المائة. وهو حقيقة أمر محبط جدًا للقائمين على التعليم بكل فروعه، يكشف الفجوة الهائلة بين التعليم وسوق العمل وفشلهم الذريع رغم الوعود والتنظير. نصف خريجي الجامعات لا يحصلون على وظائف -أيها السادة- بسبب التخصصات غير العملية أو العلمية!
معدل البطالة لإجمالي في المملكة للسكان السعوديين (15 سنة فأكثر) من واقع تقديرات المسح خلال الربع الأول 2017م بلغ (12.7 في المائة) بواقع (7.2 في المائة) للذكور (33.0 في المائة) للإناث، ومعدل البطالة في المملكة لإجمالي السكان (15 سنة فأكثر)، (5.8 في المائة) بواقع (3.2 في المائة) و(20.3 في المائة) للذكور وللإناث على التوالي.
أرقام ونسب لا يستهان بها، تؤكد أننا أمام تحديات لا يجوز التقليل منها، في مستوى مخرجات التعليم المتردية للأسف، أو احتياجات سوق العمل الطموح والطموح جدًا، إنها الآن الحكاية أو القصة الأصلية التي تتحدى التطلع والرؤية للمستقبل، وكل الخطط والآمال أولاً.
الشكل التقليدي لمؤسساتنا التعليمية العليا، ومؤسسة التدريب المهني لا يبشر بالكثير من الخير للأجيال الراهنة والمستقبلية، وإن كانت الرؤية المستقبلية للسعودية 2030 التي يقودها سمو ولي العهد الآن الأمير محمد بن سلمان، تدعو للفخر والتفاؤل، فإنها أيضًا يجب أن تقود للتصحيح والمقاربة بين سوق العمل ومخرجات التعليم المترهلة والفاشلة في 50 في المائة من مخرجاته، وهو أمر محبط للتعليم العالي في بلادنا!.
سوق العمل العالمي متغير بشكل سريع، لا يرحم من هو على رأس العمل، أو الباحث عن وظيفة، وإن كانت الدولة لدينا هي صاحب العمل الأول الموظف للملايين فإن ذلك أيضًا لن يستمر طويلاً، وهو ما يضاعف التحديات التالية. نحن اليوم أمام، تغيرات سريعة في الاحتياج والتأهيل والمهارات يعجز القطاع الخاص عن مجاراتها، فما بالك بالقطاع الحكومي الأقل حيوية واستجابة.. ولنا في قصة خريجي الحاسب الآلي العاجزين عن الحصول على وظيفة مثال واضح لحجم التغيرات في سوق العمل، وفشل السياسات التعليمية العليا في توقعها..!