محمد سليمان العنقري
تراجع النمو الاقتصادي لأي دولة أمر طبيعي ومتوقع ولذلك تتخذ الدول تدابير لتخفيف تأثيراته السلبية ومعاودة النمو من جديد ومن المتلازمات مع تراجع النمو أو الدخول بركود اقتصادي ارتفاع معدلات البطالة وتتركز جل الإجراءات الاقتصادية للتصدي لارتفاع معدل البطالة وخفضه، بل اعتبرته أمريكا هو المعيار الأول بخططها الإنقاذية بعد الأزمة المالية عام 2008 وربطت إعادة رفع أسعار الفائدة بخفض البطالة دون مستويات 5 في المائة وهو ما تحقق قبل أن تبدأ برفع أسعار الفائدة من نهاية عام 2015م.
قبل أيام ظهر تقرير هيئة الإحصاء عن سوق العمل الذي جاء فيه أن معدل البطالة بالمملكة للربع الأول من العام الحالي 2017 م ارتفع إلى أعلى معدل تاريخيًا عند 12.7 في المائة ارتفاعًا من 12.3 في المائة للربع الذي سبقه أما مقارنة مع الربع الأول المماثل من عام 2016 م فكانت النسبة 11.5 في المائة أي أن البطالة ارتفعت بمقدار 9 في المائة خلال عام وهو ناتج لعدة أسباب أهمها تراجع معدلات التوظيف نتيجة لضعف نمو الاقتصاد وفقًا للعوامل المسببة لذلك التي جاءت بعد التراجع الحاد بأسعار النفط التي استوجبت تحركًا حكوميًا تقشفيًا تحسبًا لأي آثار سلبية أعمق في حال طالت مدة تراجع أسعار النفط التي هبطت في فترة قصيرة من نحو 110 دولارات للبرميل لأقل من 30 دولارًا في أقل من عام ونصف العام باعتبار أن المحرك الأساسي للاقتصاد هو الإنفاق الحكومي الذي تجاوز 1.7 تريليون ريال خلال عشرة أعوام ماضية.
إلا أن ما تقوم به وزارة العمل من جهود لخفض نسب البطالة لم ترق لمستوى الحلول الجذرية المتكاملة لهيكلة سوق العمل، ولا بد من التذكير بأن البطالة مسؤولية عامة وجميع الجهات المعنية تعمل لخفضها بحسب مسؤولية كل جهة فتوليد فرص العمل مسؤولية وزارات عديدة كالتجارة وأيضًا الاقتصاد والتخطيط والصناعة والإسكان والصحة والتعليم وتقنية المعلومات وبقية الهيئات التابعة لهذه الجهات، لكن الدور المحوري يبقى لدى وزارة العمل لأن مهمتها تتركز بتنظيم سوق العمل ورفع تنافسية المواطن فيه، لكن مع كل برامج الوزارة منذ سنوات كنطاقات وطاقات وحافز وغيرها لم تنخفض البطالة بل زادت ولم ترتفع تنافسية المواطن بالسوق والسبب الأول هو وزارة العمل نفسها فيبدو لمن يشخص عمل الوزارة أنه أمام جهتين تعملان في مكان واحد فجهة تغرق السوق بالتأشيرات وجهة تعمل لرفع نسب التوطين مما يظهر شيئًا كبيرًا من التناقض في أهداف الوزارة نحو خفض البطالة بالرغم من أن فلسفة نطاقات تقتضي زيادة التوطين بمنح محفزات منها التأشيرات أي أن زيادة الأخيرة تعني زيادة التوطين كما يفهم من آلية البرنامج فقد أظهر تقرير الوزارة الأخير عن عام 2016 م إصدارها 1.4 مليون تأشيرة عمل للقطاع الخاص و142 ألف تأشيرة للقطاع العام فكيف ستحل مشكلة البطالة ويجد المواطن فرصة العمل والمنافسة تأتي من الخارج بموافقة الجهة التي يفترض أن تسانده فجميع دول العالم خصوصًا الاقتصاديات الكبرى ومن أبرز أعضاء مجموعة العشرين يضعون الأولوية بالوظائف لمواطني دولهم مثل أمريكا وبريطانيا وغيرهما ويقننون تأشيرات الهجرة كما يسمونها لأعداد محدودة جدًا بعشرات الآلاف سنويًا بينما أصدرت وزارة العمل بالمملكة خلال آخر سبعة أعوام نحو 8 ملايين تأشيرة للقطاع الخاص!!
إن أول الحلول الواقعية التي ستسهم بمدة قصيرة لخفض البطالة هي الهيكلة الجذرية بالسوق من خلال:
أولاً- إيقاف إصدار تأشيرات العمل وتقنينها لتنظيم مستقبلي لا يسمح إلا بعدد محدود جدًا يراوح حول 30 ألف سنويًا وبتخصصات نادرة.
ثانيًا- إلغاء نظام الكفيل للوافدين وتحويله لنظام يربط الإقامة بموجب عقد عمل وهو ما اقترحه عديد من المتخصصين على مدى الأعوام السابقة وتحويل الطلب على العمالة عمومًا ليكون من الداخل فقد أظهرت حملات تصحيح أوضاع الوافدين غير النظاميين أو المخالفين وجود أعداد كبيرة فوق حاجة السوق حيث تبلغ أعداد المغادرين بمئات الآلاف مما يشير لأعداد ضخمة بالسوق وعند هيكلة تنظيم طريقة ارتباطها بالأعمال وكيفية إقامتها بالمملكة سيتم تلقائيًا تصحيح أوضاعها بنسبة كبيرة لمن هم مخالفون مما سينعكس برفع كفاءة السوق ومعرفة حجم الاحتياج الحقيقي فيه وبذلك يعرف المواطن أنه لن ينافسه أحد من الخارج فنمو الأعمال مستقبلاً سيعطي الفرصة للمواطن بما أن عدد العمالة الوافدة شبه تحدد بوقف الاستقدام.
ثالثًا- إعادة هيكلة المهن التي يجب قصر العمل فيها على المواطنين بزيادتها خصوصًا بالتخصصات التي تتطلب مؤهلات جامعية كالمحاسبة والتعليم وغيرهما بحسب المتاح بالسوق وكذلك وفق خطة توطين يتم التنسيق بها مع الجامعات والكليات التقنية والمهنية لقبول أعداد أكبر بالتخصصات التي نحتاج سنوات لتوطين مواطنين فيها نتيجة الخلل بالقبول سابقًا وقلة أعداد الخريجين مثل التخصصات الصحية والهندسية والفنية.
رابعًا- تطوير برنامج التوطين الموجه فهو يعد أفضل الحلول التي قامت بها الوزارة إلى الآن لكنه يحتاج إلى تطوير وتنسيق أشمل وأوسع مع بقية الجهات كالتجارة وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والشركات والقطاعات الكبرى التي يمكن لها دعم توليد الوظائف بالقطاعات المستهدفة.
حلول البطالة بالتأكيد لا يوجد عصا سحرية لها، لكن حتى يكون بناء منظومة الحلول سليمًا لا بد من قرارات مفصلية حتى لو كانت بنظر البعض قد تحدث خللاً بالفترة الحالية في السوق لأنها ستكون تنظيمات لم يعتادوا عليها إلا أن كل شيء اختلف بالاقتصاد والقوى العاملة الوطنية زادت وارتفع مستوى تعليمها وأصبح من الضروري تغيير جذري بآليات استقطاب العمالة فانتقال الاقتصاد لواقع جديد بعد اعتماد رؤية 2030 م يعني بالضرورة تغييرًا جذريًا بكل الجهات وطريقة تعاطيها مع مهامها ووزارة العمل لا بد أن تواكب التغيير بنفس الطريقة بحلول جذرية تحيل التنافسية للداخل وتعالج بإلغائها لنظام الكفالة الكثير من الإشكاليات كالتستر التجاري والأهم أن التنافس يصبح لصالح المواطن بنسبة كبيرة جدًا وسيكون الطريق ممهدًا لخفض جيد بنسب اليطالة بفترة قياسية.