د. محمد عبدالله الخازم
أعلن مؤخراً عن إنشاء هيئة لتطوير مدينة العلا، وقد برزت الأهمية التي ترجوها الدولة من تلك الهيئة بتولي سمو ولي العهد رئاستها. البعض لم يستوعب ذلك لأنه يتوقعها مدينة أو محافظة عادية ونسي أنها ذات قيمة آثارية وتاريخية مختلفة، وتأسيس هيئة مستقلة لها يعني بالتأكيد وجود رؤية لها ربما بإعلاء قيمتها الاقتصادية كمنطقة آثار وتاريخ وبالذات كونها تحوي مدناً تاريخية كمدينة صالح.
يبدو أننا ننتقل لموجة جديدة من المدن؛ بعد المدن الصناعية والمدن الاقتصادية والآن قد تكون العلا مقدمة للمدن السياحية، إن صح التعبير. وبما أنه وجد هيئة مركزية لمدينة العلا، فربما يكون مناسباً اقتراح نموذج وطني أشمل في هذا الشأن، ومكوناته بعضها جاهز وبعضها في طور التجهيز، لكنها تفتقد اللمسة التي تحيلها من مدن مؤقتة إلى مدن دائمة. وللتوضيح نسمي الأمور بأسمائها، فنقول إن لدينا مدناً في أكثر منطقة بالإمكان جعلها ضمن منظومة مدن أو هيئة وطنية عليا.
لدينا في الرياض الجنادرية. الجنادرية تعتبر قرية تراثية موسمية، وبجوارها مساحات شاسعة ونادي الفروسية قريب منها. بمعنى آخر يمكن تحويلها إلى نموذج مدينة اقتصادية ترفيهية تراثية دائمة. ما هو المانع لتحويلها إلى قرية أو مدينة ترفيهية سياحية تراثية دائمة، بإضافة بعض التعديلات التي يمكن أن يتولاها القطاع الخاص، كتأسيس مدن ترفيهية، أسواق تجارية، مطاعم، الخ. الرياض بحاجة لمثل ذلك.
لدينا في الطائف منطقة سوق عكاظ وهناك خطة لتحويلها إلى منطقة سياحية كذلك. موقع عكاظ يشابه الجنادرية في الأنشطة الثقافية ولكنه ربما يأخذ بعداً اقتصاديا متقدماً في حال تحويله إلى مدينة سياحية يتجاوز دورها مجرد الأنشطة الثقافية الموسمية وذلك وفق ما أعلن عن طريق هيئة السياحة والتراث. طبعاً عكاظ والجنادرية يتبع كل منهما جهازاً إدارياً مختلفاً.
وهكذا، لدينا مهرجانات ومواقع أثرية وطبيعية مميزة بكل منطقة تقريباً من مناطق المملكة وكل منها له مميزاته وطبيعته المتفردة. قد يناسب أن تصبح ضمن مشروع وطني لمنظومة المدن والمناطق السياحية الأثرية والترفيهية. ربما مشروع وطني/ هيئة/ أو مجلس لمنظومة المدن السياحية بمفهومها الشامل للتراث والثقافة والفنون والترفيه؟
قد تكون الهيئة المقترحة تشريعية بحتة مع احتفاظ الجهات التنفيذية بحقها في تلك المشاريع (الأمانات، السياحة، الحرس وغيرها). المهمة الأصعب في مثل هذه المدن أو المشاريع هو الموازنة بين الجانب الاستثماري الاقتصادي والحفاظ على الآثار. لذا نحتاج أن نحافظ على الآثار ومواقعها والبيئة بدون تدخلات وتعديلات. فعلنا ذلك - أقصد التعدي- كثيراً وفي كل مرة كانت أهدافنا تسهيل الوصول أو تحسين الاستثمار أو التحديث، متجاوزين أن القيمة الحقيقية هي في الحفاظ على عذرية وفطرية تلك البيئات. لذلك تأتي أهمية التشريع بغرض الحفاظ على البيئة والآثار وتطوير التنسيق والتكامل بين مختلف المشاريع.
سبق أن اقترحت عند الحديث عن مشروع القدية بأن تكون منظومة تتوزع في مختلف المناطق مستفيدين من ميزة كل منطقة، والآن وبمناسبة تأسيس هيئة العلا أكرر فكرة توزيع المشاريع الترفيهية وقد تكون - من الناحية التشريعية- تحت مظلة هيئة عليا.