د. خيرية السقاف
عادة ما تكون محطات السفر لوحة صادقة لتحضُّر المكان، وسلوك أبناء المدن، وحقيقة تطبيق الأنظمة فيها، والتزام المنفذين فيها، والعاملين في دقائقها وتفاصيلها..
المطارات، ومحطات القطارات، وحافلات المواصلات السريعة، بل حتى مراكز البريد، والاتصالات الدولية كالمحطات تكون واجهة صادقة لكل هذا..
عليه فإن النظام، والهدوء، ومرونة التعامل، وسيرورة الرحلات في أوقاتها، ومسارات المغادرة والاستقبال، ومواقف العربات وجميع المواصلات، كل هذا إضافة إلى أساليب تعامل العناصر البشرية فيها من حارس المدخل، ومنظم السير، ومنفذ استقلال المركبة ما كانت، والمشرف على التنفيذ، ومستلم الحقائب، والمجيب عن أسئلة الحائرين، كل أولئك هم الذين يصنعون نقاء اللوحة، وسلامة السلوك، وصرامة تنفيذ النظام، وخضوع كل في تنفيذ مهمته بتمام، وهم الذين يلطخون نقاءها، ويخدشون سلامتها، ويشوهون السلوك الموسومة به المحطة، فالمدينة، فالمجتمع!!
المجتمعات بتحضُّرِ أناسها، رقيُّها من رقيِّهم.. بلا ريب..
إذ مجتمع الأداء، هو مجتمع الكل..
وإلى أولئك يضاف مسؤولو الأمن..
من يفحصون الأمتعة، وجوازات السفر، والوثائق الرسمية، الذين أول من يستقبل المسافر، وآخر من يودعه..
وطاقم المرور عند البوابات، الذين هم مسؤولون عن انسياب حركة الوقوف والسير، الذين ينبغي أن يتحلوا بالأناة، والتوفيق بين المواقف، وضبط لحظة التنفيذ بمرونة وحسن تعامل..
نبحث في محطاتنا عن نماذج هؤلاء، فترضينا بعض العناصر منهم،
الذين يوقفوننا للتفكر في مدى نقاء لوحة تحضُّر الإنسان في محطاتنا فنجدهم، كما نجد فيهم من الكثرة من تسيئنا عناصرهم فيهم..
فهل ينزل مسؤولو الأمن، والخدمات الأرضية، والمرور في هذه المحطات من مكاتبهم لساحاتها، وردهاتها، ومساراتها، وأبوابها، ومنافذها، يشاركون المارين بها، العابرين لاتجاهاتهم عنها فيقيسون صدق نقاء اللوحة، ويطهرونها مما يعلق بها فيشوه هذا النقاء..؟ ولا ينسون أن يحيِّوا من يزيد في نقائها بأمانته ودأبه، وابتسامته وسرعة بديهته، وأريحيته مع الراحلين، والآيبين، والمودعين، والمستقبلين..؟
عني شخصيا وعمن تعامل معهن، أحيي موظفات أمن التفتيش النسائي بمطار الملك خالد الدولي في الرياض، فهن صورة مشرفة للمرأة العاملة في محطات السفر.. رقيا، وحرصا، وتطبيقا للأنظمة بخلق حسن، وكلمة طيبة، ووجه طلق.. وقد كنت أتابع لأكثر من مرة بصمت وهدوء عند مغادرتي محطة الرياض كيف يتعاملن مع المسافرات، وأمتعتهن، وتوجيه التعليمات وفق الأنظمة مع من تجهل منهن، الأمر الذي دفعني للكتابة عنهن، إذ لم تُشغل أية واحدة منهن بجوالها، ولم تعتمر كشرة في وجهها، بل كن خير مثال للأمينة في عملها، الصادقة مع دورها، المخلصة لرسالتها ودورها..
فحيوا معي نساء الأمن في مطار الملك خالد الدولي كما أحييهن، وقدِّروهن كما حظين بالتقدير المسنة التي تجهل فيحتوينها بلطف، والصغيرة التي ارتبكت فطمأنتها بابتسامة وتوجيه، والمخالفة التي لم تكن تعلم فبسطوا لها النظام وسبيله، والعابرة التي ترقب بفرح نجاح المرأة في مهامها، وإن عظمت، وتزيد في اللوحة نقاءها، ووعيها، وتحضُّرها.