فهد بن جليد
تجربة الأربعين يوماً التي فصلت بين راتبي برج السرطان وبرج الأسد، وما رافقهما من حراك فُكاهي ساخر و ساخط، يؤكد غياب مفهوم الادخار في ثقافتنا المحلية وتدني مستوى الوعي بأهميته، وهو ما تسبب في مثل هذه الأزمات المالية التي طالت بعض البيوت والأسر، وكان من المُفترض عدم حدوثها، خصوصاً وأنَّ جدول صرف المُرتبات مُحدد سلفاً.
ثقافتنا وطبيعة حياتنا المحلية لم تُعلمّنا - في الغالب - ثقافة الادخار والتوفير بالشكل الصحيح كسلوك إنساني طبيعي، حتى أنَّ الفرد في مُجتمعنا جُبِل على الكرم الذي قد يصل إلى حد التبذير والإنفاق بسخاء دون تفكير أو رويّة، أو حتى تخطيط مالي يضبط مُدخلاته ومُصروفاته، بل إنَّ من يرفع شعار هذه الخطط أو يُطبقها كان سلوكه غير مُحبب اجتماعياً، حتى أنَّ بعض المناطق التي اشتهر أهلها بالتواصي على ضبط المال فيما بينهم، وإنفاقه في مكانه الصحيح بتعقّل، كانوا يوصمون اجتماعياً بصفات (البُخلاء) وخلافه - مع احترامي للجميع - وتقديري للمفهوم والمنهج الذي يتبعونه، لأنَّه ببساطة هو المنهج المالي الصحيح لمواجهة صعوبات وتعقيدات الحياة وإدارتها بالطريقة العالمية، فأفضل هدية يمكن أن تقدم للطفل في الغرب أو الشرق، هي فتح حساب ادخار بنكي له مُنذ الصغر، وبعض اللوم هنا يقع على الأجيال السابقة التي لم تتبع هذا المنهج أو تحثنا عليه، فهي تتحمل - برأيي - جزءاً من مُعاناة وصدمات الجيل الحالي المالية، وعلى الآباء اليوم عدم تكرار ذات الأخطاء مع جيل الأحفاد.
جميع الأثرياء يتحدثون في سيَّرهم بأن الادخار كان هو العنوان العريض والفاصل في حياتهم، وهو السر الذي يجهله الفقراء ومتوسطو الدخل، ممن ينفقون أموالهم بشكل خاطئ وغير مدروس، لأسباب مُتعددة منها سد العجز النفسي والتفاخر أمام الآخرين، ليُعوضوا ذلك بالإنفاق والصرف، فيما أهل المال أكثر تخطيطاً وبحثاً عن السعر الأقل، فالاستقرار يجعلهم يتخطون نظرة الآخرين، طالما أنَّهم يحققون مزيداً من الثراء بتوفير المال وادخاره.
التفكير بعقلية الأثرياء في التوفير والادخار، وعدم الاكتراث لنظرة الناس أو مُحاولة التفاخر والتباهي أمامهم، سيضمن لك أن تجد الريال في اليوم الذي تحتاجه حتى لو تأخر راتبك لأكثر من أربعين يوماً، شريطة أن تتبع أفضل أساليب الادخار والتوفير العلمية.
وعلى دروب الخير نلتقي.