خالد بن حمد المالك
يفضِّل الإعلام القطري أن يربط أمير الدولة الشيخ تميم بن حمد بالمجد، فيقول: «تميم المجد»، ولا أجد مسوّغاً أمامي لمعرفة الأسباب وراء إطلاق هذه الصفة لأمير البلاد، ربما كان يستحقها، ونحن نجهل هذا، فإطلاقها لا يمكن أن يكون عبثاً أو سخرية، كما لا يمكن أن يكون هذا التوصيف لواحد من قادة الخليج بهدف الكيد للقادة الآخرين، أو استفزازهم، فحبذا لو أن من يطلقون هذه الصفة يطلعوننا مشكورين على الأسباب والمبررات والظروف التي صاحبت تلقيبه بهذه الصفة لنشاركهم في الزفة، أو نعلن رأينا بما ينسجم مع الواقع وفق ما سيتم إيضاحه، إلا إذا كانوا غير معنيين بأي رأي أو وجهة نظر تخالف ولا تتفق مع صيغة أو مفردة المجد التي ألبسوها للشيخ تميم بن حمد.
* *
أفهم أن يتعاطف الإعلام القطري مع أميرهم، وأن يخصُّوه بالمدائح من شعر ونثر، غير مكترثين بمن يخالفهم في هذه السياسة الإعلامية من المواطنين القطريين، ولكني لا أفهم أن تتزامن هذه الصفة مع الظروف الحالية التي تمر بها دولة قطر، حتى وإن كانت تطلق على سموه قبل الأحداث الأخيرة، والتي يتحمل الأمير المسؤولية كاملة عنها بحكم موقعه في إدارة الدولة، مع التأكيد على أنه قد يكون بريئاً بحكم تدخل والده الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم وآخرين في المواقف السياسية والقرارات المصيرية، تلك التي لا يستقيم إطلاق مثل هذا اللقب على رجل يتولى دفة الحكم في البلاد، ويقبل بأن يعرّض مستقبل قطر للخطر، ثم لا يمانع، بل ويقبل بأن يطلق عليه «تميم المجد» الذي يستحق أكثر منه لو وقف ضد الإرهاب، ومنع إيواء وتمويل الإرهابيين، وتفهم مطالب جيران بلاده بعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، والتوقف عن مثل هذا التحريض، وكذلك عدم التخطيط لمؤامرات تبين فيما بعد بالدليل القاطع أن قطر ضالعة بها، متعمدة فيها إيذاء الأشقاء والجيران.
* *
إذا كان الشيخ تميم يستحق مثل هذا اللقب الفضفاض، فماذا نقول عن الملك سلمان والأمير صباح والشيخ خليفة والملك حمد؟ بل ماذا نقول أيضاً عن محمد بن زايد ومحمد بن سلمان؟ وغيرهم من الزعامات في منطقتنا الخليجية، وهم الذين يحاربون الإرهاب، ولا يسمحون بإيذاء قطر أو غير قطر، وينأون بدولهم وبأنفسهم عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبينها دولة قطر الشقيقة، فمثل هذه الألقاب تكتسب قيمتها وأهميتها ومصداقيتها، ولا يكون مصدر وجودها عواطف شخصية، ومجاملات لا قيمة لها، حين ترتبط بإنجازات كبيرة، ومواقف شجاعة، وأعمال مميزة، وغيرها من التميز في أداء القادة لمسؤولياتهم، وأنا -حقيقة- أتمنى أن يكون شيخنا تميم هو هذا القائد، لولا أن خطابه الأخير نسف ما بقي فيه من أمل لحماية قطر مما يدبر لها من مؤامرة كبرى، ربما امتدت إلى عدد من دولنا، فقد كان أمير البلاد في خطابه وكأنه لا يعبأ بالوضع المتأزم الذي تمر به الدولة القطرية.
* *
أرجو ألا يفهم أحد بأني ضد إضفاء الألقاب على الشيخ تميم، أو أني أعترض على أن يقترن اسمه بالمجد وغير المجد من الصفات المحسّنة، لكني فقط أطرح تساؤلاتي من باب التمنيات بأن يستجيب سموه للمطالب الثلاثة عشر، وعندئذٍ سوف يجدني أصفق مع من يصفق لأمجاده، ولن تكون شهادتي عندئذٍ شهادة زور، أو أنها تنطلق من عاطفة ومجاملة واحترام بلا سبب، فالشيخ تميم لا يجهل أن هناك مُطبلين ومنافقين، ويحسنون تقمّص شخصيات غير شخصياتهم الحقيقية، فيكثرون من المدائح بمناسبة وغير مناسبة، ويظهرون ما لا يبطنون، وكل ما أخشاه أن ينخدع الشيخ بالمجاملات التي تصدر عن هؤلاء، مع أنه في غنى عنهم، وعن أي إعلام لا يكون صادقاً معه، ومخلصاً له، ومحباً لقطر، على ما ظهر لنا في بعض ما ينشر في وسائل الإعلام القطرية، أو تلك المحسوبة عليها، بحكم التمويل، وشراء مواقفها لتكون في خدمة السياسة القطرية.
* *
نريد أن يكون الشيخ تميم مستحقاً ليكون تميم المجد، نريده هكذا وأكثر، وهي فرصته ليكون هذا وصفه، ليس على مستوى الدولة القطرية، وإنما على مستوى العالم العربي كله، بشرط أن يلبي متطلبات وشروط ذلك، بمراجعته السياسة القطرية، وإعادتها إلى الأدبيات الدبلوماسية المعروفة، وأخذ المواقف الجسورة ضد دعم قطر للإرهاب والتطرف، والتصالح مع قادة دول مجلس التعاون ومصر على قاعدة التخلي عن الممارسات المشبوهة التي كانت سبباً في قطع العلاقات مع قطر، وقفل الحدود البرية والجوية والبحرية بينها وبين الدول الأربع، وما تبع ذلك من إيقاف أي تعاون بين هذه الدول وقطر، أي أن وسام المجد متاح لتميم، وهو مرتبط باسمه على نطاق واسع، متى ما أدرك أن قطر تلعب بالنار، وتعبث بأمن الدول، وتعرّض سلامة الأمن والاستقرار في دولنا للخطر، وأن معالجة ذلك يتطلب من سموه موقفاً شجاعاً يحقق له المجد الذي نتمناه له، ويضعه ضمن الصفوة من القادة التاريخيين، وهو ما يعني أن أمير قطر لازال مرشحاً للمجد الذي نفهمه بصورة تختلف عن مفهوم الإعلام القطري.
* *
وعلى كل حال، فنحن لا نريد أن يشغلنا مجد الشيخ تميم عن قضيتنا الأساسية مع أمير الدولة القطرية، فالمجد تحصيل حاصل بمجرد أن يتفهم سموه خوفنا على قطر وخوفنا من قطر، فدولة قطر تمر بأزمة تتصاعد يوماً بعد آخر، والأمير لا يحتاج إلى مكبّر ليقرأ عناوينها، والدول الجارة والشقيقة تخاف من قطر، لأنها أصبحت ورشة عمل تصدر منها وعنها المخططات التآمرية ضد الأشقاء والجيران، بدعم من قطر، وتأييد معلن، وتمويل موثق، لهذا ندعوه لقبول تأييدنا له بوصفه تميم المجد، ولكن ضمن شروط دولنا، وبما يلبي طلباتها، ويضمن الالتزام بها، فإن لم يحدث هذا، فالمجد بلا قيمة، لأنه بلا سبب، ومن غير مبرر، ونحن أغلى علينا، وأحب إلى نفوسنا، أن يكون تميم في هامة المجد، في قممه الشامخة، ولكن بالشروط والضمانات التي أشرنا إليها.
* *
ماذا تريد قطر وإعلامها أكثر من هذا السخاء في موقفنا من أمير نريده في أعالي المجد، بعد أن ينسف كل ما شاب مواقف قطر الإرهابية بمواقف جديدة تعبّر عن شجاعته في أخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، فقد أخلصنا في القول لأننا نحب قطر، ونتعاطف مع الحالة الصعبة التي يمر بها الشعب القطري الشقيق، ونريد من أمير البلاد أن يتحمل مسؤولياته في هذه المرحلة التاريخية الصعبة، وفي هذا المنعطف الخطر الذي لم تشهد دولنا مثيلاً له، وهذه فرصته لتعلو كلمة الحق، يصدح بها من الدوحة، ويصل صداها إلى كل دول الخليج والعالم، ليكون بذلك فارساً من فرسان الخليج، وأحد القادة المعتبرين في منطقتنا، فهل الشيخ تميم على استعداد لتحقيق هذا الحلم، هل هو مهيأ ليُسمِع صوته أرجاء الدنيا، وهل هو صاحب قرار لإنجاز هذا المشروع القطري والخليجي والعربي بعد طول انتظار وصبر على الشَغَب القطري الذي أساء لقطر ولنا.
* *
أختم هذه الكلمة بالسؤال عن المجد، من هذا القائد الذي يستحقه، وأين يجب أن تكون وجهته، ومتى نفكر بعقلانية عند اختيار الأوصاف، فلا نوظف عواطفنا ومصالحنا في مبادرات وقرارات غير مدروسة، فالمجد مفردة جميلة، وذات معنى عميق وشامل، ولها دلالات محسوسة تعبر عن قيمة كبيرة لمن يوصف بذلك، فلعل الشيخ تميم، وقد وصفه الإعلام القطري بأنه تميم المجد، يقدر هذه المبادرة، فيعلن موقفاً يستجيب لها، وتحركاً يتناغم مع مدلولها، فمثل ذلك لا يقدم عليه إلا القادة التاريخيون، فمتى يكون الشيخ تميم هو من بين هؤلاء القادة؟!.