ياسر صالح البهيجان
منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، ومحور الأمن يُعد ركيزة رئيسة لجعل منطقة الخليج قوّة إقليميّة بإمكانها تشكيل توازن في القوى تمنع أي محاولات اعتداء من أطراف خارجيّة، وتحديدًا من إيران بعد سيطرة ولاية الفقيه على مفاصل الدولة الفارسيّة عام 1979، وإعلانها عن رغبتها في تصدير ثورتها المزعومة لدول المنطقة كافّة.
ثمة اختلافات في الرؤية والمواقف الخارجيّة للدول الخليجيّة إزاء الأحداث في المنطقة منذ تأسيس المجلس، لكنها كانت اختلافات سطحيّة لا تبلغ مرحلة خلخلة المنظومة بأكملها، حتى تاريخ 1995، عندما انقلب أمير قطر السابق حمد على والده الشيخ خليفة بأسلوب مستهجن يخالف القيم والقوانين المعمول بها والمتفق عليها داخل دول المجلس، والأخطر من ذلك كان رغبة الانقلابيين في الدوحة بتغيير سياسة الدولة، وبدء مرحلة جديدة تنطلق من رؤية مناهضة الوحدة الخليجيّة، ظنًا بأن هذه الخطوة من شأنها أن تُكسب قطر مكانة إقليمية تتفوّق بها على أشقائها.
حق مشروع أن تبحث الدولة عن مصالحها وتعزيز مكانتها حتى وإن كانت صغيرة، لكن أزمة قطر وحكومة الانقلاب أنها بحثت عن دور إقليمي عن طريق تقويض قوّة الدول الخليجيّة الأخرى، والعمل ضدها داخل الدوائر السياسية الإقليمية والدولية، وقررت أن تتخذ من الكيان الصهيوني نموذجًا لها، إذ هو كيان صغير داخل محيط عربي يعاديه، ومثّل هذا الاتجاه رئيس الوزراء الأسبق حمد بن جاسم المقرّب من صناع القرار الصهاينة، وهو ما أنتج علاقات تجارية بين البلدين منذ عام 1996، أي بعد الانقلاب على الشيخ خليفة بعام واحد، وتطورت التعاونات فيما بينهما لتصل إلى الجوانب الأمنية بإذعان وتنازلات كبرى من الدوحة، وهو ما أكده الصهيوني سامي ريفيل في كتابه «قطر وإسرائيل- ملف العلاقات السرية»، عندما قال إنه من الصعوبة بمكان ترتيب العلاقات القطرية الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه لولا حكومة قطر التي ذللت كل الصعاب، وحصل على تسهيلات كثيرة من مسئولين قطريين، وشركات قطرية كبرى، ويأتي ذلك التقارب منافيًا للمواقف العربية التي تجرّم التعامل مع حكومة الاحتلال، وترفض بشكل قاطع خطوات التطبيع.
التقارب مع الكيان الصهيوني لم يكن إلا رأس الجبل الجليدي، حيث اتجهت الدوحة لتعاون أكبر مع ولاية الفقيه، وكانت هي الدولة الوحيدة التي رحّبت بالمشاركة الإيرانية في الترتيبات الأمنية للخليج العربي لولا تحركات باقي دول المجلس ضد تلك الخطوة التي كانت ستمثّل خطرًا أمنيًا جسيمًا، كما عقدت الحكومة القطرية عدة اجتماعات رفيعة المستوى مع المسئولين الإيرانيين لبحث الاتفاقات الأمنية والاقتصادية، في وقت تشكل طهران التهديد الأكبر في المنطقة، ولا تخفي عداءها وتحركاتها ودعمها للميليشيات والأقليّات داخل دول المجلس، فضلاً عن الفوضى التي خلّفتها والدمار الذي أنتجته في عدد من الدول العربية.
سياسة الدوحة العدائية لم تتوقف عند حد التطبيع مع الكيان الصهيوني والتقارب مع ولاية الفقيه الإجراميّة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، بتمويلها لمنظمات وجماعات متطرفة، ودعمها لمعارضين خليجيين ضد دولهم، وتحريك آلتها الإعلامية لتأجيج الشعوب الخليجية على الحكومات الشرعيّة، وبلغت قطر بتلك السلوكيّات حدًا لا يمكن غض الطرف عنه أو الصمت حياله.
الدول الخليجيّة لا تزال رحيمة بحكومة الدوحة حتى بعد قرار مقاطعتها. ما اقترفته قطر جدير بإبعادها من منظومة مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، ويستحق تدابير أشد قسوة مما هو مفروض ضدها، ولعل الأيام حبلى بعقوبات جديدة ما دامت الحكومة القطرية مستمرة في غيّها، ومتمادية حد الصفاقة في سعيها لإخلال أمن المنظومة الخليجية.