كوثر الأربش
بسبب العولمة، أصبحت السمة التي توصف بها المراحل التاريخية في بلدان العالم متشابهة. ما يحدث في العالم، في مرحلتنا المُعاشة، هو صعود كوكب «العلم» عاليًا على كوكب الإيديلوجيا (مع تجاوز المشكلة الأبستمولوجية المتعلقة بسعة مدلولات المفهومين). أرصد ما يحدث حولك، العالم يسير قدمًا نحو العلم، تاركًا خلفه إرثًا واسعًا من الخرافة والطقوس التي لم تنفع البشرية بشيء، سوى حصر العقل البشري في زنزانة الوهم. موضوعيًا تقاس السمات بأبسط التكتلات الإنسانية، كالقرى والأرياف البعيدة. ستشعر بالدهشة عندما تتعمق في تلك البيئات، إن درجة عالية من الوعي أصبحت تخترقها بسلاسة. لا تستغرب، أليس المفكر العربي المصري عبد الوهاب المسيري ابن قرية الدمنهور الريفية؟ أعني، إذا بلغَتْ الموجة أبسط المجتمعات، يكون مؤشر موضوعياً بأن سمة ما يمكن أن تطلقها على البلاد ككل. هذا ما أريد قوله، هذا أيضاً ما يمكنك أن تلاحظة بيسر عندما تتأمل ما يحدث من حولنا. نهاية التنظيم المؤدلج ليس نبوءة بل هو نتيجة فيزيائة. لا أقول إن العقل البشري أصبح بمنأى عن الاختطاف، لأن آلية غسل الدماغ إرث عالمي، بعد أن استبد الإيديلوجيون بالمسألة حقباً وسنوات طويلة، سيرحلون، ويرثها المفكرون، أو السياسيون، أو الحقوقيون أيضًا. ليس هذا موضوعنا.. المقصد الآن، أن سوق الإيدلوجيا أصبح كاسدًا. أصبح المسترزقون بها يبحثون عن زبائنهم بين أكثر الأفراد خللاً ورجعية ليبيعوا أوهامهم هناك. حتى أُبسّط الفكرة: في العصور الوسطى كان الإيديلوجيون في قمة السلطة السياسية، حكموا أوروبا لعشرة قرون من الزمان. لكن اليوم، تجدهم في الأوكار، مع المجرمين وأصحاب السوابق، أو في المجتمعات النائية عن كل تواصل مع العالم الحديث، أو بين العقول المصابة، التي قد توجد على مقاعد الجامعات أيضًا.
ستنتهي التنظيمات الإيديولوجية، ليس بسبب العقوبات السياسية فقط، ولا التوعية الإعلامية الموجهة ضدها فقط، بل لأن مسوغاتها قديمة، متخلفة، مثل الذي يبيع «حجر الرحا» على مجتمع اعتاد استخدام المطاحن الكهربائية. إننا في زمن انفجار العلم، الطب، التعليم، التقنية، العمران. زمن التنمية والطاقة البديلة.
إذا كنا نريد فقط تعجيل نهاية اعتقال العقول في زجاجة الخرافة، علينا أن نزيد العلم لمعانًا وقوة. يصبح الذين سيبذلون أرواحهم لتحقيق أمنيات الولي الفقيه، أو خليفة داعش، سيفضلون حلم مدينة ذكية، توفر لهم الوصول لجامعاتهم وأعمالهم في وقت أقل وحماية أكبر. هكذا يتغير العقل البشري. هكذا تتحرر الإنسانية..