م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. من المحزن أن يقضي الفرد عمره بل وقد يفقد حياته.. وقبل ذلك يتلف حياة أسرته ويسهم في إتلاف حياة مجتمعه.. وهو يظن أنه يدافع عن معتقدات يراها تتفق مع مفاهيمه وأفكاره.. إلى درجة أنه لا يرى طريقاً آخر لخلاصه وخلاص العالم بأسره إلا من خلال تطبيقها وإطاعة تعاليمها والمبالغة باتباعها.. ثم يكتشف متأخراً أنه كان واهماً.. وأنه لم يكن أكثر من تابع ساذج يعده أسياده فرداً من القطيع.. ووزنه وأهميته لا تزيد على ذلك.. ويمكن التضحية به متى لزم الأمر.
2. حينما يكتشف التابع متأخراً أنه قد أفسد حياته وحياة من حوله.. وأنه لم يكن أكثر من أداة أو حطب في وقود مصلحة غيره تكون الصاعقة التي لا ينفع بعدها ندم.. حينما يكتشف أن الأفكار والمعتقدات التي أفسد حياته وحياة غيره من أجلها لم تكن سوى أفكار ومعتقدات أحد غيره.. وما كان دوره فيها سوى دور الجندي الذي لا يدري لماذا يحارب أو من يحارب أو ما هي النتيجة المطلوبة من حربه.. ويُصْدم كيف أنه كان أعمى فلم ير ولم يتساءل ولم يَشُكّ ولم يسأل ولم يسمع ولم يفكر أو يحلل.. وكيف أن أفكار غيره هي التي زُرِعت في عقله فاعتقد أنها أفكاره هو أو تعاليم ربه الذي خلقه.. ولم يطرأ على باله أنها أفكار سياسي يسعى لمصالحه.. وأنه لم يكن سوى ذبيحة في محراب مصلحة ذلك المجرم.
3. في سراييفو أدهشني مقدار الغباء الذي يصيب البشر حتى العمى فيرون حسناً ما ليس بالحسن.. وكيف تم حصارها خمسة أعوام دمرت فيها الإنسانية وظهرت فيها الوحشية وحُكم على أهلها بالعذاب اليومي.. ثم ورث مجتمعها الضرر النفسي المقيم حتى الموت.. وكيف أن الجار يقتل جاره لا يدري لماذا لكنه يدري أنه مختلف عنه في الدين.. ولم يسأل نفسه: لماذا فجأة حمل ذلك الكره العظيم حتى بلغ به الحد إلى قتل جاره الذي جاوره لسنين.. فقط لأن قائده قال له أن يكرهه.. وأوهمه أنه إن لم يقتل جاره فسوف يقتله جاره.. ثم تتعاظم الأمور فيظهر المرضى الذين يرون في السادية متعة وفي الجريمة راحة.. مع إيمان خالص بأنهم بذلك يتقربون إلى الله وينفذون تعاليمه.. فيبرر كل جريمة يقترفها بأنها أمر إلهي.. ويرى أن توحشه وإجرامه إجرام مقدس.
4. واليوم حينما تسير في شوارعها.. لا ترى سوى الحزن على الوجوه.. والفقر في الطرقات.. والخيبة من الحاضر.. والخوف من المستقبل.