خالد بن حمد المالك
أعلن الرئيس التركي مبكراً دعمه لقطر في أزمتها مع الدول الشقيقة، وتحدث الرئيس أردوغان في أكثر من خطاب له عن تفهمه للموقف القطري، وأنها على حق في مجمل سياساتها من الأزمة، بما كان مفهوماً لنا، ولم يكن غائباً عن أذهاننا، وللرئيس الحق أن ينحاز إلى الدوحة، يناصرها، ويضع إمكانات دولته تحت الطلب للنظام القطري، متى احتاج إليها، وهو ما فعلته تركيا، وفقاً لما قاله أمير دولة قطر في خطابه من أن أنقرة حلت أزمة البلاد بعد قطع العلاقات وإقفال الحدود معها، وهو أيضاً ما عبّر عنه الرئيس التركي بالمسارعة بإقامة قاعدة عسكرية في الدوحة، وأنه لن يسحبها إلا بطلب من الحكومة القطرية، باعتبار ذلك يمس سيادة قطر الوطنية.
* *
وفي ظل هذا الموقف الذي أبعد تركيا من أن تكون وسيطاً مؤثراً لحل مشكلة قطر مع الجيران والأشقاء، فقد تحدث الرئيس التركي في زيارته الأخيرة للمنطقة، قادماً من المملكة والكويت وقطر بأن أمير قطر لا زال يتسم بضبط النفس، وأن الموقف القطري إيجابي وجدير بالتقدير، وهذا الرأي يأتي وفق القراءة التركية الخاطئة للأزمة، والتحليل غير الواقعي لها، ومحاولة إظهار قطر وكأنها دولة معتدى عليها، وأن صبرها وحلمها لم ينفدا بعد، أي أن لها حسابات أخرى متى ما نفد هذا الصبر، وانتهى زمن الحلم، بينما الحقيقة أن المعتدى عليها هي الدول الأربع، والمتضررة من قطر هي المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وأن ضبط النفس لدى قادة هذه الدول هو الذي ينظر إليه على أنه مهلة لقطر قد تطول وقد تقصر بحسب التطورات والمستجدات، بخلاف الاستنتاجات التركية التي ليس لها مكان في التحليل العلمي الدقيق للحالة في قطر وفي منطقتنا ودولنا.
* *
نقول هذا الكلام لأن الرئيس أردوغان قال بعد زيارته للمملكة ومباحثاته مع ملكها وولي عهدها، وكذلك بعد لقاءاته ومباحثاته مع أميري الكويت وقطر، بأن الملك سلمان لديه تطلعات كبيرة في حل الأزمة الخليجية، وهو كذلك، ولكن ليس بأي ثمن، ولن يكون بدون استجابة الأشقاء في قطر للشروط والمتطلبات الثلاثة عشر، والضمانات التي تمنع قطر من أن تلجأ إلى التسويف والمماطلة، والنكوث بالوعود والعهود، وأيضاً فالسلام الذي ينشده الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، هو السلام الذي ينظف منطقتنا ودولنا من أي صورة من صور الإرهاب، لا كما يحدث الآن، حيث تتبنى الدوحة دعم وتمويل وإيواء الإرهابيين، بل وتزيد على ذلك باستخدام الإعلام للترويج له، والتخطيط للمؤامرات ضد قادة الدول الشقيقة، ومحاولة تقسيم الدول إلى ما يماثل مساحة قطر الصغيرة وعدد سكانها.
* *
إن قطر لا تحتاج إلى مساحة زمنية لضبط النفس، ولسنا مع من يرى أنها تقدم خدمة كبيرة من أجل استقرار المنطقة على حساب مصالح الدوحة، بل الأولى أن توقف قطر تهورها، وهناك يكون ضبط النفس، والأولى أن توقف إرهابها، وهنا يكون حلم قطر المقدّر لها، والأولى ثالثاً أن تكبح عدوانها، وبالمثل سوف ينظر إليها حينئذٍ على أنها تحترم نفسها وغيرها، أما القول إن قطر تضبط نفسها، أو أنها لا زالت في حلمها متماسكة، ولم ينفد صبرها بعد، فهو كلام يلقي ظلالاً من الشك على أن لدى قطر إرادة قوية لحل هذه الأزمة التي هي من تنفذها، وتدفع بها إلى التصعيد ما لا يمكن السكوت عنه، أو المساومة على حل له، ما لم تتم استجابة الدوحة لما طُلب منها، بل أزيد على ذلك، وأقول: إن ضبط النفس لدى الدول الأربع التي قطعت علاقاتها مع الدوحة، هو الموقف المقدر لها، فلم تتعامل مع مؤامرات وتدخلات قطر بقدر ما لحقها من أضرار، إلا الإجراءات الضرورية.
* *
وفي هذا الشأن، فنحن أمام دولة متمردة، لا تلتزم باتفاقيات تبرم، أو عقود توقع، وتنكث وعودها في كل ما يتم الاتفاق عليه، وتمارس كل قبيح يؤذي الجار، وتثير الرعب، وتخلق الفوضى، وتؤجج الخلافات، وليس أمامها على مدى سنوات من رادع يردعها، ولم يصبها الذعر والخوف والشعور بالحرمان، إلا حين قطعت العلاقات معها، وحين سدت أبواب تواصلها مع العالم، ولكن بعد أن تمادت في غيّها، وعدوانها، وتجاهلها لكل النداءات والاتفاقيات، ما جعل من الإجراءات الأخيرة قاصمة لظهر قطر، ومربكة لكل سياساتها، ومحاولة منها، ولكن في الوقت غير المناسب لإجراء بعض الاتفاقيات مع بعض الدول حول مسألة الإرهاب، للهروب من المسؤولية، وإبراء الذمة، والتأكيد على أن ما تُتهم به من كونها دولة إرهابية غير صحيح، بل ادعاء لا يستند على حقائق، متناسية التسجيلات والوثائق والتواقيع التي تدينها أشد إدانة، ولا تترك لها أي فرصة للالتفات على التهم الثابتة التي وُوْجِهَت بها.
* *
هذه هي قطر بلا رتوش، أو محاولة لقول ما لا علاقة لها به من تهم قد لا تكون ثابتة عليها، فنحن إنما نتحدث عن الثابت والموثق منها، وما عدا ذلك فهو الآن يخضع للفحص والتدقيق والمراجعة، وحين تظهر النتائج، وتعلن على الملأ فسيكون لنا حينئذٍ رأينا المنصف، ومثلما اعتدنا فلن نبخل بالنصح، وفتح الأبواب أمامها للخروج من النفق المظلم، فدولة قطر ليست أميرها أو شيوخها النافذين، وليست بالمجاميع غير القطرية التي تهيمن على البلاد، وإنما هي في جموع الشعب القطري الحبيب الذي عانى من التهميش، وحرم من كل الحقوق، وعومل على أن حقه في البلاد أن يأكل فحسب، فيما حيل بينه وبين قيادة بعض المسؤوليات التي تتطلب زرع المواطنين الأكفاء المتعلمين في مواقع المسؤولية، وما أكثرهم بين المواطنين، وقد وضع فيها بعض العرب والعجم، وكأن قطر ليست دولة ولودة للكفاءات والعناصر الوطنية المبدعة.
* *
لقد استفزني القول التركي، والترويج له في الأوساط الإعلامية القطرية وتلك المحسوبة عليها، من أنها دولة تمارس في شخص أميرها ضبط النفس في أزمتها مع أشقائها وجيرانها، وكأنها في حالة عدوان، وكأنها تتحمل بصبر وحلم هذا العدوان الغاشم، وكأن الدول الأربع ليست من عانى ويعاني من المواقف المشبوهة لقطر التي تركز على الإضرار بدولنا، ما جعل من هذا المقال يوضح الحقيقة، ويبين الواقع، ويعرض المسلمات في الأزمة القطرية، حتى لا يكون صمتنا وكأنه حقيقة، مسلمين بما تقوله الأبواق الإعلامية لدى قطر، وواقعاً نعترف به، فيما أن الوضع ليس هكذا، وإنما هو وفقاً لما أوضحناه، وبما هو معروف لدى الجميع، بما في ذلك الأشقاء في قطر، إلا إذا كان هناك من ينظر إلى السياسة على أنها فن الكذب، وأن تأثيرها يعتمد على انتحال بعض الرؤى، وتقديمها كصور لواقع افتراضي لا وجود له البتة إلا في خيال من يتبناه.
* *
وليت ضبط النفس القطرية يمتد ليرضى عن الإجراءات التي اتخذت ضدها، ومن ثم الموافقة على ما يعالج أسبابها، وفقاً لبيان الرباعية، فنحن أمام أزمة حقيقية تضر بقطر، وتضعها كما هي الآن دولة بلا أشقاء، وبلا مصالح مع الجيران، وما نريده لها أن تتحرر من سجانها، وأن تعتقها دولنا ممن يتآمرون عليها، وأن تعود دولة معتبرة، تتحمل ما يلزمها القانون، والنظام، وحقوق الجيران، فلا نراها بعد اليوم تؤلب، أو تحرِّض، أو تتآمر، أو تخطط لعدوان قادم، فما هكذا تقوم الدول، وما هكذا تستقر الشعوب، وما هكذا تكون هناك تفاهمات على المصالح بين الدول، إلا أن تكون قطر دولة خارج القانون، ومتمردة على الثوابت، وممعنة في اللجوء إلى الأساليب التي لن تحصد منها إلا الخيبة، والنهاية المأسوية، وهذا ما لا نريده ولا نتمناه للشقيقة الصغرى دولة قطر.