عبدالعزيز السماري
عند النظر إلى تجربتنا الإنسانية في هذا الجزء من العالم، سنكتشف أن الشعور بالتمايز والاختلاف له علاقة طردية مع الوعي والتعليم وثقافة العمل، فالوحدة الشمولية والتضامنية التي تجعل من الأفراد متشابهين ومتطابقين في العقل والشكل، تبدأ في التضاؤل كلما اتسعت مدارك وعي الإنسان.
في حق الاختلاف نزعة فطرية، لكنها تصطدم منذ الصغر بالخطاب الشمولي الموحد، والذي يرى في حق الاختلاف خروجاً عن الوحدة برغم من خطأ هذا التصور، فالاختلاف أحد وجوه حق الحربة النسبي، والذي لا يعني على الإطلاق مخالفة القانون أو المبادئ العليا للدول ، ولكن يعني أن الإنسان كائن مستقل في بعض اختياراته..
يُعَد المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات التي تطور فيه مفهوم الاختلاف من مرحلة الجنين إلى أن أصبح شاباً يافعاً، فقد تطور هذا المفهوم في صورة سلمية، ولازال يواجه معوقات التقليد والشمولية، فالاختلاف له مسار تصاعدي في عصور الرخاء، وفي مقدوره أن يصل بالمجتمع إلى أن يكون أكثر هدوءاً وأقل صخباً..
يواجه حق الاختلاف الطائفي والفقهي خطاباً متشنجاً من مختلف مرجعيات الطوائف، فالأحكام الشمولية الإقصائية دائماً ما تصدر في حق المخالفين للطائفة، والتي دوماً ما تشحن الأتباع بالكراهية والحقد الظاهر والدفين ضد المخالف.
لو أدركت المرجعيات الطائفية أهمية احترام حق الاختلاف لانخفضت مناطق التوتر في الشرق العربي، لكنها ترتبط بمصالح أكبر من أن تكون حقاً طبيعياً، ويجب احترامه، ولهذا يحرصون على إشعال المنطقة من أجل مصالح المرجعيات الدينية والسياسية الطائفية.
ترتفع أصوات التشنج عالياً عندما يدعو مثقف أو سياسي لاتباع العلمانية كحل سياسي غير منحاز مثلما يحصل في تركيا وتونس وماليزيا، والعلمانية دوماً ما تأتي كحل في الدول التي تعاني من حدة الصراع الطائفي والديني والأثني، ولو كان الخطاب الديني أكثر توازناً لربما توقفت المجتمعات عن الاتجاه نحو العلمانية كحل للتأزم السياسي..
من أجل أن نعي هذا المبدأ الفلسفي العظيم، علينا أن نراقب مواقف المجتمعات في دول أوروبا الغربية لو اختار أحدهم أن يعتنق الإسلام، وهل يطالبون بإعدامه أو إقصائه أم يحترمون حقه في الاختيار..، ذلك هو بيت القصيد في الوعي الثقافي بهذا الحق الفطري.
حق الاختلاف لا يعني الخيانة والرذيلة والأنانية أو الفوضى، ولكن يعني على وجه التحديد أن تمارس حريتك وفق حقوق التعبير المسموح بها، وأن تقدم القبول والعفو والتسامح لمن يختلف معك، فمن شروط التعايش أن لا تشعر بالخوف من الآخرين عندما تعبر عن اختلافك وهكذا..
كذلك لا يعني حق الاختلاف أن تمارس سياسة الاستفزاز للآخرين، فاحترام هذا الحق ينطلق من الطرح العقلاني المتزن والملتزم بالإطار الأخلاقي، وأن لا يتجاوز ذلك إلى الدعوة إلى الإساءة والتجني على الآخرين مهما كانت درجة الاختلاف..
اعترف ان كنت شاهداً عبر العقود الماضية على تطور هائل في ثقافة المجتمع، فالوعي تقدم درجات إلى الأمام، وأصبح المجتمع أكثر احتمالاً وتسامحاً مع المخالف، والذي كان يوماً ما يصل إلى درجة نعته بالوصمة أو مقاطعته أو إقصائه..
هذا التطور النوعي جاء نتيجة متوقعة للاستقرار السياسي والاقتصادي، فالإنسان عندما يشعر بالأمن المعيشي والنفسي يميل إلى التسامح، وعندما تسوء هذه المعايير تتحول مشاعره وسلوكه إلى العدوانية والخوف من المجهول ، فينطوي، وتبدأ رحلة الصراع من أجل البقاء علي قيد الحياة..
لهذه الأسباب ولأسباب عديدة يجب أن تتكاثف الجهود من الجميع من أجل نجاح المشروع الاقتصادي والثقافي في الوطن، ففيه المخرج من مختلف الأزمات، كما أنه بمثابة الوقود الذي يغذي مشاعر التسامح ويؤسس لمبدأ احترام المخالف، وفيه تعزيز لحق الاختلاف الطبيعي..