مها محمد الشريف
بعد مراقبة تحركات كوريا الشمالية بوسائل متنوعة من جيرانها وأمريكا، ورصد تحركات دائرتها الداخلية واتصالاتها. والأهمية الكبرى في متابعة مقومات النظام الكوري الجديد وعمل الاستخبارات المركزية الأمريكية ووكالات أخرى على التطورات التي ظلت حائرة في تسمية ما يحدث وخضعت لعدة اعتبارات. منها كوكبة من الأقمار الاصطناعية مخصصة لالتقاط الإشارات الدقيقة. لديها قدرة غير مسبوقة ونقطة انطلاق تتابع أماكن تجاربهم النووية وصناعة الصواريخ الباليستية.
وقد يسهل على المرء أن يقول تلك الاستفزازات التي تتعرض لها أمريكا من كوريا الشمالية عبارة عن رقمنة غير مكتملة وتكنولوجيا ناقصة، توجه من خلالها تهديدات غير مبررة لأمريكا، و في جانب آخرمن الصورة تغطي على فشل المسار الديموقراطي في البلاد، بالتالي وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النقد والعتاب إلى الصين قبل كوريا الشمالية.
هو في الحقيقة مسار تحول من تركيبة إلى تركيبة أخرى لها عوامل مختلفة، ماجعل الصين ترسل إشارات ذكية فحواها لا تستخف بالعامل البشري أبداً. حيث نظم الجيش الصيني عرضا عسكريا ضخما بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيسه، وحضر رئيس البلاد، تشي جينبينغ، التظاهرة العسكرية الكبيرة، بجيش يعد الأكبر في العالم بأكثر من مليوني فرد، و عبر الرئيس عن فخره واعتزازه بالجيش الكبير.
ولا حظ المحللون أن الاستعراض العسكري الضخم تنقصه وسائل الإعلام الأجنبية التي لم تتلق أي دعوة لتغطية العرض، فهناك من يقول إن السياسة الصينية تتخذ خطوطا فاصلة بين رؤية المحافظة على الخصوصية، وبين زخم الإعلام وتطفله على أماكن محظورة. لا تريد أن تمهد الطرق أمام العوائق والتوترات الراهنة بين الدول.
ويكشف هذا التحدي لمخيلة الكاتب أو المتابع للسياسة الصينية رغبتها في الاستقلال عن العالم كمواطنين وكسياسيين، تتشارك بالتبادل التجاري وتكتفي بالعوائد الربحية فقط، وبخاصة في ضوء الأحداث السياسية نتساءل كيف يمكن لدولة كبرى صناعية وتقنية أن توازن بين مصالحها و تكاد تكون مشاركتها معدومة عطفا على موقف الحياد الذي تتخذه ؟
ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار حجم معاناة الصين من التدخل الأجنبي في أوائل القرن العشرين، والعقوبات التي فُرِضَت عليها بقيادة الولايات المتحدة لسنوات طويلة أثناء الحرب الباردة. فمن الواضح إذاً أنّ للصينيين أسبابهم التي تجعلهم أكثر حرصاً إزاء كلٍّ من التدخّل والعقوبات، والمشاركة في قضايا الشرق الأوسط. باستثناء استخدامها الفيتو في مجلس الأمن لمرتين.
يوافق ذلك تحول الاقتصاد بعد ازدهار العلاقات العربية والشرق أوسطية مع الصين، حيث توسّعت إلى مايتعدّى القضايا السياسية البارزة، وتضاعف إلى تركيزعالي للثروة خصوصا أن نصف صادرات الطاقة من الخليج، بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي يذهب إلى شرق آسيا؛ علماً أن السعودية وقّعت اتفاقات هامة في مجال الطاقة مع الصين وغيرها، هذه العلاقات بين الصين والشرق الأوسط تصبح أكثر تنوّعاً، فضلاً عن أنها إستراتيجية إلى حدّ كبير في قطاع الطاقة، ولذلك من غير المرجّح أن تتأثّر بالأحداث الجارية في سوريا.
فهناك أسباب تعكس تعبئة سياسية بطريقة صينية، ضمن محاولة مباشرة لتذكير الدول الكبرى بأضخم جيش في العالم، عرض عسكري كبير منذ الثورة الشيوعية عام 1949 للمرة الأولى، وهي الدولة الأقوى والأغنى بالموارد البشرية، فجل ما يحدث اليوم عرض عسكري لأسباب وجيهة لها مغزى سياسي عميق. قد يكون تمهيد للمؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني طمعا في ولاية جديدة للرئيس تشي جينبينغ ؟ أم هي فكرة لا نعرف مداها موجهة لأمريكا.