د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الرئيس الصيني شي جين ين صدر له كتاب عنوانه: حول الحكم والإدارة. وهو كتاب يجمع آراء الزعيم الصيني مستقاة من خطبه ومقابلاته وأحاديثه وكتاباته، وهو الرئيس الرابع بعد ماو سي تونج.
يعلم الأغلب أن الثورة الشيوعية كان لها الأثر الكبير في تشكيل الهيئة العامة للصين، وقد مرت بمرحلتين هامتين في عصر الزعيم ماو تسي تونج، كانت المرحلة الأولى فيها شيء من التسامح في بعض نواحي الحياة الاجتماعية، لكن الزعيم الراحل تزوج بسيدة فأثّرت عليه وتغير كثير من مسار الصين الاجتماعي، فقد تبنّت الثورة الثقافية فحرم الكثير من الناس من ممارسة العبادة، وأصبحت الصين أكثر انغلاقاً وتشدداً، بما فيها التشديد نحو ممارسة الشعائر الدينية لا سيما الإسلام لكونه الدين الأول في الصين تليه المسيحية ثم اليهودية.
قامت الثورة التصحيحية، وقضي على عصابة الأربعة، كما يسمّونهم في الصين، وكانت زوجة الزعيم الراحل، وصاحبة الثورة الثقافية أهم أفرادها، وتم إعدامهم جميعاً.
جاء الزعيم دونج، وهو بحق الذي أعاد هيكلة الصين في نمط حياتها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بنسب متفاوتة، وأبدع أيما إبداع في بناء الصين الحديثة مع بقاء الصين متماسكة في بنيتها السياسية، والاجتماعية، مع انطلاقة هائلة في المجال الاقتصادي، وهو ما عجز عنه الاتحاد السوفيتي في حينه، حيث آل الأمر إلى التفكك، وعدم التوازن في مرحلة من مراحله إلى أن وصل بوتن إلى حكم روسيا وجعل لها نمطاً معيناً تسير عليه.
بعد الزعيم دونج، جاء الرئيس جيانج تسه مين، وسار على درب سلفه، واتخذ خطوات فاعلة للتسريع بالنهضة العلمية والاقتصادية، وأذكر عندما كنت أعمل في الصين في ذلك الوقت أنه قال إن المسارات المتعددة تحقق الكثير من الإنجازات، لكن هناك مشكلتين تؤرقاني وهما القضاء على الفساد، والحد من الهجرة من الريف إلى المدن.
بعده جاء الرئيس جو جين تاو، وسار على نفس الوتيرة وحقق الكثير للشعب الصيني، وأصبح الشارع في الإصلاحات معلوماً ومشاهداً، وأضحت المنتجات الصينية في كل مكان من العالم.
واليوم يحكم الصين الرئيس شي جين بينغ صاحب الكتاب، وهو ابن زعيم صيني شارك في الثورة، ولعلنا نسطر شيئاً من الجمل الواردة في كتابه، حيث قال : ( الشعب يخلق التاريخ، والعمل يمهد للمستقبل، إن العمل قوة أساسية تدفع تقدم المجتمع البشري، والسعادة لا يمكن أن تهبط من السماء، والحكم لا يمكن أن يتحول إلى واقع تلقائياً).
يقول أيضاً: (يجب التمسك باحترام العمل وإسعاد العاملين، إذ إن العمل مصدر الثروة والسعادة، لذا فإن الأحلام الجميلة في الدنيا لا يمكن تحقيقها إلا بالعمل الصادق، وإن المشكلات المتنوعة التي تواجهها التنمية لا يمكن حلها إلا بالعمل الصادق، وإن رونق الحياة كله لا يمكن تجسيده إلا بالعمل الصادق).
يقول أيضاً: (هناك أعمال كثيرة أمام جيل الشباب في بلادنا، وسيكون هناك مجالات فسيحة كتنمية كفاءاتهم أيضاً، فهذا هو قانون التاريخ، إن هذا مثل أمواج نهر اليانغسي الذي تدفع أمواجه المتلاحقة الأمواج السابقة، وتلك هي مسؤولية الشباب التي يقال عنها: إن لكل جيل قوة أعظم من سابقه).
ويقول: (كل من منظومة حوكمة الدولة، وقدرة الحوكمة، تجسيد متمركز لنظام الدولة، وقدرة تنفيذه يتكامل أحدهما مع الآخر).
وهو أيضاً يرى أن منظومة الحوكمة لدولة معينة يقررها التوارث التاريخي والتقاليد الثقافية، ومستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويقررها أبناء شعبها.
هذه لمحة من كتاب الرئيس الصيني، وهو يحمل الكثير من المعاني والنظرة المستقبلية لأكبر دوله في العالم من حيث عدد السكان، وستكون الأكبر قريباً في الاقتصاد، إذا سار الأمر على ما هو عليه الآن.