محمد آل الشيخ
شعوب الشرق عموما شعوبٌ تؤمن بالأساطير الخرافية الموروثة، والتي تتحول مع الزمن إلى حقيقة إيمانية لاتقبل الجدل. فكرة (دولة الخلافة) التي تروج لها جماعة الإخوان المسلمين، هي ضرب من هذه الأوهام الأسطورية الموروثة، التي (يزعمون) إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث ظني لا يرقى إلى القطع واليقين وعد بها في آخر الزمان؛ رغم إن (الخلافة) نفسها مصطلح جاء بعد وفاة الرسول- عليه الصلاة والسلام-، ولم يثبت على وجه القطع أنه أوصى بها، غير أن اختلاط بعض الأحاديث الظنية بالحقائق التاريخية الثابتة، خلق لكثير مما سموها أحاديث آخر الزمان نوعا من أنواع القدسية في الذهنية الإسلامية المعاصرة.
دولة الخلافة هذه التي يقولون إنها ستقوم في آخر الزمان هي الفكرة التي ترتكز عليها دعوات أغلب الحركات المتأسلمة السياسية، وعلى رأس هذه الحركات الحركة الأم (جماعة الإخوان المسلمين). ومن ضمن من تبنى هذه الفكرة الأسطورية أيضا تنظيم داعش، الذي أراق من أجل تحقيقها الدماء، وخرب البلدان، وشرد الشعوب، وفي النتيجة عاد من كل صراعاته التدميرية فاشلا بخفي حنين، وكان كل ما أسس عليه دعوته حديث ظني زعموا أنه يُنسب إلى الرسول، يُبشر بظهور هذه الدولة في آخر الزمان، وأنها ستنتصر، وستفتح أيضا (روما) في أوربا لتلحقها بدولة الخلافة الفتية، كما كان يردد الواهمون الذين جاؤوا من أنحاء العالم يناصرون هذه الدولة.
جهيمان - بالمناسبة - عندما احتل الحرم، وبايع من كان يدّعي انه المهدي تحت الكعبة، كان يزعم - أيضا - أن في التراث الموروث حديثا آخر يتنبأ أن المهدي حينما يخرج في آخر الزمان، ويبايعه المسلمون في الحرم، سيأتي إليه جيش من الشمال، ليحارب من عقدوا البيعة له، وأن هذا الجيش (ستخسف) به الأرض وتبتلعه، وينتصر أصحاب المهدي. غير أن الحقيقة كانت في مكان آخر، غير ما كان يعتقده هؤلاء الخرافيون.
والسؤال الذي يطرحه السياق هنا: هل سقوط (دولة الخلافة) المزعومة، بسقوط دولة داعش هذا السقوط المريع، من شأنه أن يُحصن الذهن الإسلامي من قبول هذه الأساطير التراثية الموروثة، التي تستعصي على قانون السببية المنطقي، وتجعل (المعجزة) الخارقة لقوانين الطبيعة الكونية هي المعوّل عليه، رغم أنها تتعارض مع قوانين العقل، ولا يدعمها إلا أنهم ينسبونها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم بصحتها من كذبها.
هزيمة داعش، وفكرة دولة الخلافة التي يزعم البعض أنها ستعود قوية كما كانت دولة الخلافة في بدء التاريخ الإسلامي يحتم علينا أن نُنقي تراثنا من هذه الأساطير الخرافية التي لا تستند إلى سياق منطقي بقدر استنادها إلى منطق المعجزات؛ فمثلما كلفتنا حركة جهيمان وأسطورة المهدي كثيرا من الخسائر البشرية والنفسية في أول القرن الهجري الحالي ها هي فكرة (دولة الخلافة) الأسطورية، تُكلف العالم كله من أقصاه إلى أقصاه من الخسائر البشرية والمادية ما ترونه الآن على أرض الواقع، وفي النهاية، اتضح أن الدول لا تقوم على (الرغبويات) أو لأسباب ميتافيزيقية، وإنما لأسباب عقلانية يبررها الواقع، وليس كسر الناموس الكوني والمعجزات، وهذا ما يجب أن يُدركه أولئك الشباب الغر المشوهين فكريا، الذين راهنوا على المعجزات، فكشف لهم الواقع أن ما حملته بعض النصوص التراثية الموروثة ما هي إلا ضرب من ضروب الأساطير.
إلى اللقاء